النجاح الإخباري - في ظل تعثر المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران حول الملف النووي، وطلب واشنطن إجلاء بعض موظفيها من السفارات في منطقة الخليج، تزداد التساؤلات فيما إن كانت إسرائيل ستقدم على مهاجمة إيران في الوقت القريب.
محللون يرون أن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو قد يقدم على هذه الخطوة كمهرب من ازماته الداخلية التي تهدد حكومته، فيما يبدو أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورجاله انصاعوا لوجهة النظر الإسرائيلية التي تقول إن امتلاك إيران لقنبلة نووية يمثل خطرا وجوديا على إسرائيل.
وتعيش الدولة العبرية أزمات متتالية لا سيما في ظل عدم قدرتها على الحسم في قطاع غزة، وعدم قدرتها على إيجاد بديل مقنع للحكم في القطاع، وتنفجر في الداخل الإسرائيلي أزمات متراكمة تُنذر بانهيارات متتالية في بنية الدولة العبرية.
أبرز هذه الأزمات ما بات يُعرف بـ"أزمة تجنيد الحريديم"، التي تجاوزت كونها مسألة تنظيمية لتكشف عن هشاشة البنية العسكرية والسياسية والاجتماعية في آنٍ واحد.
أزمة تتجاوز الجيش: معركة هوية وشرعية داخل الدولة
منذ تأسيس الكيان عام 1948، ظلّ الجيش الإسرائيلي يحتل موقع "القداسة" في العقل الجمعي الإسرائيلي، واعتُبر العمود الفقري لـ"الدولة اليهودية". لكن هذا التصوّر يتصدّع اليوم على وقع فشل التجنيد الإجباري، وامتناع قطاعات دينية ومدنية عن الانخراط في الخدمة، ما أدى إلى تآكل تدريجي في البنية البشرية للجيش.
في هذا السياق، أوردت صحيفة يديعوت أحرونوت إن "الجيش الإسرائيلي اليوم يُشبه طائرة بلا طيارين، خُطط لبنائها دون أن يُؤخذ في الاعتبار من سيُشغّلها"، مشيرة إلى أن المؤسسة العسكرية وضعت خطة هيكلة واسعة النطاق، تشمل إنشاء ألوية جديدة (منها فرقة دافيد ولواء مدرعات 500 وكتيبة هندسة جديدة)، وتوسيع وحدات الاستطلاع والكلاب الدفاعية، وتأسيس فرقة تدريبية موحّدة... لكن جميع هذه المشاريع مهددة بالتعطيل لسبب بسيط: لا جنود لتفعيلها.
الحريديم: بين العقيدة والدولة
يمثّل الحريديم (المتدينون اليهود الأرثوذكس) أكثر من 13% من سكان إسرائيل، وهم يرفضون الخدمة العسكرية استنادًا إلى قناعة دينية بأن "دراسة التوراة" أولى من القتال. هذه الفجوة بين العقيدة وضرورات الدولة انفجرت سياسيًا في الأسابيع الماضية، بعد أن طالب الجيش برفع سنّ التجنيد وتمديد فترة الخدمة من 32 إلى 36 شهرًا، في ظل امتناع أكثر من 70 ألفًا من الحريديم عن الخدمة.
الرفض الحريدي لم يقتصر على التجنيد، بل طال حتى "الخدمة البديلة"، ما دفع الأحزاب الدينية مثل "شاس" و"ديغل هتوراه" إلى التهديد بالانسحاب من حكومة نتنياهو في حال تم تمرير قانون يُلزم طلاب المدارس الدينية بالخدمة.
ووفق صحيفة هآرتس، فقد رفض كبار الحاخامات مشروع القانون المعدل واعتبروه "غير شرعي دينيًا"، ما عمّق الانقسام داخل المعسكر اليميني ذاته.
أزمة سياسية: حكومة على شفير الانهيار
في محاولة لتأجيل المواجهة، نجح نتنياهو مؤخرًا في إسقاط مشروع قانون حلّ الكنيست، بعدما عقد تفاهمات مؤقتة مع الأحزاب الدينية لتأجيل التصويت على قانون التجنيد. غير أن المعارضة الإسرائيلية، كما نقلت معاريف، اتهمته بـ"مقايضة أمن الدولة ببقائه السياسي"، معتبرة أن نتنياهو "يستخدم التهديد الإيراني غطاءً للهروب من المواجهة الداخلية".
وفي مقال ناري له، كتب الصحفي بن كسبيت: "نتنياهو يلعب بالنار. يراهن على خوف الحريديم من التغيير لتمرير الوقت، لكنه يعرف أن القنبلة ستنفجر في وجهه. المطلوب هو شراكة حقيقية أو انهيار وشيك".
جيش مأزوم... واحتياط مستنزف
وسط هذا المشهد، يُحذر قادة الجيش من فراغ بشري متفاقم يُربك خطط الحرب ويُنهك الكتائب القتالية. ما يسمى "رئيس الأركان" إيال زامير، وفي خطاباته الأخيرة، شدد على أن إسرائيل "بحاجة إلى هامش أمان بشري واسع"، لأن "القتال في غزة والجنوب والشمال لا يمكن أن يستمر بجنود يرفضون الخدمة أو يستنزفون في الاحتياط".
الحلّ المؤقت – أي الاعتماد على جنود الاحتياط – تحول إلى أزمة بحد ذاته. آلاف الجنود يُستدعون مرة تلو أخرى منذ 7 أكتوبر، ما خلق حالة من التذمر والتململ وصلت إلى حدود التمرد الصامت في بعض الوحدات. وقد نقلت صحيفة معاريف عن ضباط في الاحتياط قولهم: "نحن نحارب على الجبهات، لكن الجبهة الأخطر باتت داخل إسرائيل: تعب، احتقان، وغياب ثقة بالقيادة السياسية والعسكرية".
الأمن القومي أم البقاء السياسي؟
تقف إسرائيل اليوم عند مفترق طرق استراتيجي في خلاف يهزها من الداخل وإصرار على الاستمرار في سياسة التأجيل والمقايضات التي يقودها نتنياهو، والتي باتت تهدد "الأمن القومي" نفسه.