منال الزعبي - النجاح الإخباري - بين تداعيات حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال على قطاع غزة، والتصعيد الاستيطاني ومخططات الضم في الضفة الغربية والقدس، عقد المجلس المركزي الفلسطيني، اليوم الأربعاء، دورته 32 في مدينة رام الله، تحت عنوان يُلخّص حالة الطوارئ الوطنية: "لا للتهجير ولا للضم – الثبات في الوطن – إنقاذ أهلنا في غزة ووقف الحرب – حماية القدس والضفة الغربية – نعم للوحدة الوطنية الفلسطينية الجامعة".
الجلسة التي تنعقد في قاعة أحمد الشقيري بمقر الرئاسة، شهدت كلمة سياسية شاملة للرئيس محمود عباس، في وقت يناقش فيه المجلس قضايا مفصلية على رأسها: آليات حماية المواطنين في قطاع غزة، وسبل مواجهة محاولات التهجير القسري، والاستيطان، والاستيلاء على الأرض، إلى جانب إعادة ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي، واستعادة الوحدة الوطنية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية.
كما ستتناول الدورة أيضًا مقترح استحداث منصب نائب لرئيس اللجنة التنفيذية للمنظمة، في سياق إعادة هيكلة محتملة للمؤسسات القيادية.
عودة المجلس المركزي إلى الانعقاد في هذه اللحظة الحرجة تطرح تساؤلات محورية حول موقعه في المشهد السياسي الفلسطيني، ودوره بين مؤسسات منظمة التحرير، باعتباره الهيئة الوسيطة المخوّلة بصلاحيات المجلس الوطني في حال عدم انعقاده، وصاحبة القرار التنفيذي في الشأن الوطني العام.
فماذا نعرف عن المجلس المركزي؟
النشأة والتأسيس:
تأسس المجلس المركزي الفلسطيني كهيئة دائمة منبثقة عن المجلس الوطني الفلسطيني، ويخضع له من حيث المسؤولية. تقرر تشكيله رسميًا في الدورة الحادية عشرة للمجلس الوطني التي عقدت في القاهرة بين 6 و12 كانون الثاني/يناير 1973 ليكون الجسر المؤسسي بين المجلس الوطني واللجنة التنفيذية.
كانت الفكرة الأولية لتشكيل هذا المجلس قد بدأت في عام 1970، عندما تم الاتفاق في اجتماع عمان على إنشاء اللجنة المركزية لمنظمة التحرير، والتي تحولت لاحقًا إلى المجلس المركزي في 1973.
التكوين والعضوية:
تبدلت تركيبة المجلس عبر السنوات، ويُعتبر اليوم من بين أهم الهيئات التنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية. يتكون حاليًا من:
• رئيس المجلس الوطني
• رئيس وأعضاء اللجنة التنفيذية
• ممثلي الفصائل والاتحادات الشعبية
• كفاءات مستقلة
• عسكريين وممثلين عن جيش التحرير
• رؤساء اللجان الدائمة
تحولات في الحجم والدور: أبرز مراحل التوسّع والفعالية
• أواخر الثمانينيات: ارتفع عدد أعضاء المجلس المركزي إلى 93 عضوًا، تزامنًا مع تصاعد الانتفاضة الأولى، وبدأت دوراته تكتسب طابعًا أكثر أهمية، ليغدو المرجعية الفعلية لمنظمة التحرير في ظل غياب المجلس الوطني.
• دورة الجزائر (1991): تم توسيع عضوية المجلس المركزي ورفع تمثيل اللجنة التنفيذية، إضافة إلى انضمام حركة الجهاد الإسلامي "بيت المقدس".
• اجتماع تونس (1993): أُقرَّت اتفاقية أوسلو، وكُلفت اللجنة التنفيذية بتشكيل مجلس السلطة الوطنية.
• دورة غزة (2001): ناقش المجلس موضوع إعلان الدولة الفلسطينية المستقلة، دون اتخاذ قرار نهائي.
المهام والصلاحيات:
يمتلك المجلس المركزي جميع صلاحيات المجلس الوطني الفلسطيني، باستثناء إعادة تشكيل اللجنة التنفيذية. تتضمن أبرز مهامه:
• اتخاذ القرارات في القضايا والمسائل التي تطرحها عليه اللجنة التنفيذية في إطار مقررات المجلس الوطني.
• إقرار الخطط التنفيذية.
• متابعة تنفيذ قرارات المجلس الوطني.
• تشكيل لجان دائمة من بين أعضاء المجلس الوطني.
• مراقبة سير عمل دوائر منظمة التحرير.
ويحق للمجلس المركزي تجميد أو تعليق عضوية أي عضو أو تنظيم، واتخاذ أي عقوبة بشأنه على أن يعرض الأمر على المجلس الوطني في أول دورة لانعقاده.
محطات مفصلية:
• 1984 (عمان): تنظيم عمل المجلس وتحديد مدة ولايته بين دورتين عاديتين للمجلس الوطني.
• 1987 (الجزائر): إعادة تشكيل المجلس ورفع عدد أعضائه.
• 1993 (تونس): إقرار اتفاق أوسلو وكلفت اللجنة التنفيذية بتشكيل مجلس السلطة الوطنية.
• 2001 (غزة): بحث إعلان الدولة الفلسطينية دون اتخاذ قرار حاسم.
الدور السياسي للمجلس:
أصبح المجلس المركزي، خاصة منذ منتصف الثمانينات، المرجعية العليا الفعلية في ظل تعذر انعقاد المجلس الوطني. تاريخيًا، كانت قراراته تعكس منعطفات حادة في المشروع الوطني، مثل:
• المصادقة على اتفاق أوسلو.
• اتخاذ قرارات استراتيجية بشأن العلاقة مع الاحتلال.
• نقاشات متكررة حول إعلان الدولة والاستراتيجية السياسية.
الصلاحية الأعلى في الغياب:
يمتلك المجلس المركزي كافة صلاحيات المجلس الوطني الفلسطيني باستثناء إعادة تشكيل اللجنة التنفيذية، ما يجعله صاحب الكلمة الفصل في السياسات الوطنية والتنظيمية في غياب المجلس الوطني.
بين محاولات إعادة الهيكلة وتعاظم المخاطر الوطنية، يقف المجلس المركزي أمام اختبار حاسم، لا يقتصر على اتخاذ قرارات جديدة، بل على إثبات فعالية تلك القرارات في ساحة سياسية مثقلة بالانقسامات والضغوط الداخلية والخارجية. فهل تكون الدورة الثانية والثلاثون نقطة تحول حقيقية في مسار العمل الفلسطيني؟ أم أن المجلس سيظل في دائرة اتخاذ التوصيات التي لا تجد طريقها إلى التنفيذ؟ تبقى الإجابة على هذا السؤال معقودة بمواقف المجلس وقراراته التي ستحدد دوره في المرحلة المقبلة.