منال الزعبي - النجاح الإخباري - يحذر خبراء الاقتصاد من أن الولايات المتحدة قد تكون على أعتاب ركود اقتصادي، وسط مؤشرات مقلقة تعيد إلى الأذهان الأزمات المالية الكبرى التي شهدها العالم في 2008 و2020. وتزايدت هذه المخاوف في ظل تراجع مبيعات التجزئة، وارتفاع وتيرة تسريح العمال، والتأثيرات المحتملة لتعريفات الرئيس السابق دونالد ترامب الجمركية على الأسعار والاستهلاك المحلي، إلى جانب تراجع أداء مؤشرات الأسهم الأمريكية مقارنة بنظيراتها الأوروبية. كما أكدت تصريحات الاحتياطي الفيدرالي أن معركة التضخم لم تُحسم بعد، في وقت تعكس فيه البيانات الاقتصادية انخفاضًا حادًا في ثقة المستهلكين.

انعكاسات واسعة

إلى جانب التداعيات الاقتصادية المتوقعة، مثل ارتفاع معدلات البطالة، وانخفاض الدخل الأسري، وزيادة الاقتراض الحكومي، وإغلاق الشركات، فإن حدوث ركود قد تكون له تداعيات سياسية كبيرة على الإدارة الأمريكية الحالية.

كان وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض قائمًا على وعود بتحسين الوضع الاقتصادي وتخفيض تكاليف المعيشة منذ "اليوم الأول"، إلا أن أي تباطؤ اقتصادي جديد قد يؤثر على شعبيته، ويضعف فرص حزبه في انتخابات الكونغرس لعام 2026.

تحذيرات خبراء الاقتصاد

يرى ديفيد ويسل، الزميل البارز في معهد بروكينغز ومدير مركز هتشينز للسياسات المالية والنقدية، أن الاقتصاد الأمريكي لا يزال يتمتع بزخم قوي، لكنه أشار في حديثه لمجلة نيوزويك إلى وجود مؤشرات تدعو للتساؤل حول ما إذا كانت الولايات المتحدة قد وصلت إلى نقطة تحول اقتصادية.

وقال ويسل: "ما يقلقني هو حالة عدم اليقين الناتجة عن السياسات الجمركية المتقلبة، والإدارة العشوائية للملف الاقتصادي، والقرارات المفاجئة التي تُتخذ عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والتي قد تدفع الشركات والمستثمرين إلى تبني نهج الانتظار والترقب."

كما حذَّر من أن الأداء الضعيف لسوق الأسهم الأمريكية، وتراجع مؤشر S&P 500 إلى مستوياته السابقة للانتخابات، قد يشكل إشارة إنذار مبكرة.

من جانبه، يرى كينيث روغوف، أستاذ الاقتصاد في جامعة هارفارد وكبير الاقتصاديين السابق في صندوق النقد الدولي، أن أكبر ما يقلق الأسواق حاليًا هو الانخفاض الحاد في ثقة المستهلكين، خاصة وأن الإنفاق الاستهلاكي كان العامل الوحيد الذي دعم نمو الناتج المحلي الإجمالي في الربع الرابع، والذي كان ضعيفًا بخلاف ذلك.

تراجع ثقة المستهلكين 

ووفقًا لأحدث تقرير صادر عن The Conference Board، انخفض مؤشر ثقة المستهلك بمقدار 7 نقاط في فبراير ليصل إلى 98.3، وهو أكبر تراجع شهري منذ أغسطس 2021. كما انخفض مؤشر التوقعات المستقبلية بمقدار 9.3 نقاط ليصل إلى 72.9، وهو أقل من العتبة البالغة 80 نقطة، التي تشير عادةً إلى ركود وشيك.

سياسات ترامب وتأثيرها على الاقتصاد

في منشور عبر منصة Bluesky، أعرب جيسي روثستين، أستاذ السياسة العامة والاقتصاد في جامعة كاليفورنيا-بيركلي وكبير الاقتصاديين السابق في وزارة العمل الأمريكية، عن مخاوفه من أن الركود الاقتصادي بات شبه حتمي.

وأشار إلى أن عمليات تسريح العمال الواسعة في القطاع الفيدرالي، وإلغاء العقود الحكومية، قد تؤثر على بيانات التوظيف الرسمية ابتداءً من شهر مارس. كما حذر من أن تداعيات هذه السياسات لن تقتصر على القطاع العام، بل ستؤدي إلى زيادة حالة عدم اليقين في الأسواق الخاصة، ما قد ينعكس سلبًا على الإنتاجية والنمو الاقتصادي.

مؤشرات متضاربة 

في حين أن بعض المحللين يرون أن احتمالية حدوث ركود في المستقبل القريب لا تزال منخفضة نسبيًا، فإن البعض الآخر يسلط الضوء على إشارات تحذيرية مبكرة. ووفقًا لتقديرات J.P. Morgan، فإن احتمالية دخول الاقتصاد الأمريكي في حالة ركود خلال الأشهر الـ 12 المقبلة تبلغ 20٪، وهو ضعف المعدل المعتاد البالغ 10٪.

كما أظهر أحدث تقرير لمكتب التحليل الاقتصادي انخفاضًا في الإنفاق على السلع الكمالية، وهو ما قد يشير إلى أن الأمريكيين بدأوا بالفعل في الاستعداد لمواجهة تحديات اقتصادية قادمة.

لا يزال الجدل مستمرًا حول ما إذا كان الاقتصاد الأمريكي يتجه بالفعل نحو ركود عميق، أم أن الأمر مجرد تباطؤ مؤقت. ومع ذلك، فإن المؤشرات الحالية تستدعي الحذر، خاصة مع استمرار التضخم، وتزايد الضغوط الاقتصادية، وضعف ثقة المستهلكين. وإذا لم تتخذ الإدارة الأمريكية إجراءات حاسمة لضبط الأسواق وتحفيز الاقتصاد، فقد يكون الركود القادم أقرب مما يتوقعه الكثيرون.

ترجمة عن مجلة نيوزويك