النجاح الإخباري - في خضم الحرب تجد إسرائيل مستقبلها عالقًا في يد رئيس وزراء يحمل شخصيتين متناقضتين تمامًا.

فهناك بنيامين نتنياهو الشخص البراغماتي الذي يقود مجلس الحرب بصلابة ودهاء سياسي، وهناك "نتنياهو" الجبان والمتلاعب والمثير للانقسام الذي يقوده أعضاء من اليمين المتطرف، ويجر إسرائيل إلى عزلة دولية ربما تكون الأشد منذ تأسيسها عام 1948.

ومع انقضاء نحو ثمانية أشهر على أحداث السابع من أكتوبر الذي يحمل الإسرائيليون جزءًا منها لرئيس وزرائهم، يجد نتنياهو نفسه محاصرًا بين محاولة التوفيق بين مصالحه الشخصية والسياسة الإسرائيلية، فهو يتعرض لضغوط شديدة للاستجابة للرؤية الأميركية لإنهاء الحرب، وفي الوقت نفسه يهدده أعضاء ائتلافه اليمنيين بحل حكومته.

وكتب بن كاسبيت، كاتب سيرة ذاتية وناقد طويل الأمد لرئيس الوزراء، في صحيفة معاريف اليومية العبرية يوم الأحد: "طرد بايدن نتنياهو من خزانة الغموض وقدم اقتراح نتنياهو بنفسه". "ثم سأل سؤالًا بسيطًا: هل يدعم بيبي اقتراح نتنياهو؟ نعم أم لا. لا هراء ولا هواء ساخن."

وتقول د. ليراز مرغليت الباحثة في السلوك في العصر الرقمي، جامعة ريشمان، هرتسليا في مقال لها بصحيفة معاريف، عن شخصية نتنياهو: "الناس يلقون كلمات مثل "نرجسي" أو "سيكوباتي"، لكن الواقع دائماً أكثر تعقيداً. نتنياهو يدرك أنه في المراحل الأخيرة من مسيرته. إنه يرى نهاية طريقه السياسي. إذا اضطر للاعتراف بذلك، لن تبقى له الكثير من الأهداف ليعيش من أجلها. لنتنياهو نمط شخصية كلي من جهة وقلق من جهة أخرى. نضيف إلى ذلك صورة ذاتية عظيمة، مما يؤدي إلى طمس الحدود الأخلاقية".

وتضيف: "هذا مزيج مشكل للغاية، لأن النمط الكلي يجعله يرى الواقع بالأبيض والأسود، والنمط العصابي والقلق يجعله لا يثق بأحد، متأكداً أن الجميع ضده وأكثر من ذلك - يرى السوء في كل شيء. بالإضافة إلى ذلك، يتميز نتنياهو بأنماط شخصية سلطوية. الأشخاص ذوو الشخصية هذه يطورون نمط تفكير صارم، يرون العالم من خلاله مقسومًا إلى خير وشر، بدون ألوان وسط. هو ينتمي إلى الجيدين، وكل من لا يدعمه ينتمي إلى مجموعة الأشرار".

وفي مقال تحليلي مطول استعرض الصحفي والكاتب الأميركي ديفيد ريمنيك عام 1998، تاريخ نتنياهو ووصفه بالمعقد.

ورأى أن الصراع الداخلي الذي يواجهه بيبي نتنياهو كرئيس للوزراء، إلى حد كبير، هو صراع بين إيديولوجية موروثة وبين لعبة شد الحبل السياسي.

وقال ريمنيك في صحيفة نيويوركر: "ما ورثه نتنياهو عن والده هو إدراك حاد لمفهوم "نحن ضدهم"، وشعور بأن الحمقى فقط يمكنهم الفشل في رؤية ما يراه، وأن التاريخ اليهودي في خطر دائم من الانتهاء بالكامل، وأن التاريخ اليهودي، بالنظر إلى دور الاندماج في الشتات، هو في يد إسرائيل وبدرجة كبيرة في يد رئيس وزرائها".

وعرض الرئيس الأميركي جو بايدن يوم الجمعة الفائت مقترحًا لوقف لإطلاق النار، يتضمن 3 مراحل، داعيًا حماس وإسرائيل إلى اغتنامها.

ورد عليه مكتب نتنياهو ببيانيين يحملا رسالتين باردتين غير عادتين من حيث التوقيت والمضمون، البيان الأول لم يؤيد مقترح بايدن ولم ينف أيضا أنه قدم للوسطاء من قبل إسرائيل، وجاء في البيان المذكور أن نتنياهو سمح لفريق التفاوض الإسرائيلي بتقديم اقتراح من شأنه أن يؤدي إلى إطلاق سراح المحتجزين.

والبيان الثاني كرر شروط إنهاء الحرب، مؤكدًا أن وقفها دون تحقيق تلك الشروط ليس ورادًا على الإطلاق.

وكان لافتاً للمراقبين أن البيان تخلى عن شعار "النصر المطلق" الذي طالما ردده نتنياهو في خطاباته السابقة، ورفضه بايدن يوم الجمعة مشددًا على أنه شعار غامض يعني حرباً غير محددة.

وكانت البيانات الصادرة عن مكتب مشروطة ومفتوحة للتفسير، ويبدو أنها صُممت لترك الخيارات المفتوحة.

ويقول مسؤولون إسرائيليون إن المقترح الذي عرضه بايدن شروطه تتطابق مع اقتراح وقف إطلاق النار الذي وافق عليه مجلس الحرب الإسرائيلي لكن لم يعرض للجمهور.

وتقول الكاتبة رويات هيشت في مقال لها بصحيفة هآرتس بعنوان "الملك عاريًا": "في ظل تراجع قوته وفي أصعب الأوقات التي تمر بها إسرائيل، تبدو حيل نتنياهو، مثل ساحر عجوز ومستهلَك، شفافة تمامًا. لا يوجد تصرف أوضح من تصرفاته. نتنياهو لا يستطيع، وربما لا يريد أيضًا، أن يدفع بصفقة تنقذ ما تبقى من الرهائن الأحياء وتعيد جزءًا من الاستقرار لعائلاتهم. إنه لا يريد ذلك لأن حكومته ستنهار، ولكن الأهم من ذلك: لأن قاعدته الشعبية لن تسمح له بذلك. التعنت في هذا السياق ليس فقط عارًا أخلاقيًا، بل هو تصرف يتعارض مع المصالح الاستراتيجية لدولة إسرائيل".

وتعهد زعماء حزبين يمينيين متطرفين في الائتلاف الحكومي لنتنياهو - بتسلئيل سموتريتش، وزير المالية الإسرائيلي، وإيتمار بن غفير، وزير الأمن القومي - بإسقاط حكومة نتنياهو إذا وافق على الصفقة التي حددها بايدن قبل تدمير حماس بالكامل. وبعض أعضاء حزب الليكود المتشددين قالوا إنهم سينضمون إليهم.

ويقول المحللون إن الوقت الآن هو وقت عصيب بالنسبة لـ"بيبي"، وهو الاسم الذي يطلق على نتنياهو.

واللغز الذي يواجه نتنياهو هو أن العديد من الإسرائيليين يجدونه شخصًا لا يطاق، بسبب مراوغته وتاريخه المليء بالفضائح، وحتى اليوم لا زال نتنياهو ملاحق في قضايا فساد.

وفي عام 1993 اعترف نتنياهو على شاشة التلفزيون في حوار مباشر بالخيانة الزوجية، كاشفًا أنه كان على علاقة غرامية مع إمراة تدعي "روث بار"، عملت مستشارة للعلاقات العامة في مكتبة، وقال إن منافسًا سياسيًّا قام بغرس كاميرا فيديو سرية كانت قد سجلته في موقف جنسي مع بار، وأنه تعرض للتهديد بنشر الشريط على الصحافة ما لم يقم بالتخلي عن السباق في قيادة حزب الليكود.

ويرى محللون عدة أن وجود نتنياهو السياسي في إسرائيل في العقود الأخيرة مرتبط بدرجة كبيرة بعدم وجود بدائل مثاليين في الساحة السياسية الإسرائيلية التي تواجه أزمة قيادة في السنوات الأخيرة جعلتها تعيد الانتخابات 5 مرات بين الأعوام 2019 - 2022.