منال الزعبي - النجاح الإخباري - من عمق نيران الحرب والمقتلة الإسرائيلية وفي قلب مدينة غزة، حيث تتقاطع آثار التاريخ وحكايا الأساطير، يرتفع طائر العنقاء  شعارًا لبلدية غزة، هذا الطائر الأسطوري الذي يرمز للنهضة والتجدد. والذي تقول الأسطورة إنه يعيش خمسمائة عام، يموت باحتراقه ويُبعث من رماده، يُعتبر تجسيدًا لروح غزة الأبية.

العنقاء، أو الفينكس كما يُعرف في الأساطير اليونانية، هو طائر خرافي يُزعم أنه يعيش في أقصى الغرب، ويُعتبر من المستحيلات في الشعر العربي. يُصوّر بريشه الذهبي اللامع والأرجواني المحمر يُعتبر العنقاء رمزًا للقوة والأمل والإيمان بالقدرة على التغيير والتجديد، وهو ما يُعبر عنه شعار بلدية غزة.

غزة والعنقاء: قصة تجدّد

في حديث مع السيد عاصم النبيه، مدير العلاقات العامة في بلدية غزة، يُشير إلى أن اعتماد العنقاء كشعار للبلدية يُعبر عن غزة الطامحة للخلود، المدينة التي تنهض من رمادها مثل العنقاء، غزة التي لا تموت ولن تموت.

وقال النبيه لـ"النجاح": "تم اعتماد العنقاء شعاراً لبلدية غزة في عهد رئيس بلدية غزة الأسبق رشاد الشوا في بداية ثمانينيات القرن الماضي، وقامت ابنته الفنانة ليلى الشوا بتصميم الشعار متخذةً من أسطورة طائر العنقاء شعاراً لبلدية غزة.

وأضاف: "منذ ذلك الحين اتخذت بلدية غزة من طائر العنقاء شعارًا لها، وهو طائر أسطوري وصف بالجمال والعظمة وبات معروف الاسم مجهول التفاصيل، ذلك الطائر الذي يحترق ويعود فيتشكل من رماده، كأنه غزة في عودتها المستمرة للحياة."

العنقاء في الفن والثقافة

بدوره الروائي عاطف أبو سيف، وزير الثقافة السابق، يرى في العنقاء دلالة أكبر للوطنية والسياسة، مُشيرًا إلى أن غزة، التي تعرضت للحروب المستمرة، تتجدد وتنبعث من الرماد بعد كل حرب.

وأوضح لـ"النجاح" أنَّ غزة أخذت مبكرًا فكرة طائر العنقاء رمزًا للبلدية في إشارة الى النهوض، طائر الفناء المتشدد الذي يقوى على الموت دائمًا، وينهض من الرماد من قلب الحريق ويحلق بعيدًا، ولفت إلى أنَّ غزة انبعثت من رمادها عبر التاريخ حيث تمّ تدميرها في الحرب العالمية الأولى، وكذلك خلال فترة الاحتلال البريطاني.

وقال: "الناس لا تعرف أن البلدة القديمة في غزة، التي دمرتها آلة الحرب الإسرائيلية اليوم أيضًا دمرتها القوات البريطانية من البحر في الحرب العالمية الاولى، وتم إعادة بنائها، حتى المسجد العمري نفسه تعرض للتدمير بالتالي غزة التي تقع في مرمى الحروب منذ الأزل، وفي ظل الحرب التي التي تعرض لها غمنذ بداية المشروع الاحتلالي الكولونيالي الاستعماري لفلسطين، غزة دائما بعد كل حرب تتجدد وتنبعث من الرماد.

 وأضاف أبو سيف أنَّ لتمثال ميدان فلسطين، الذي صممه الفنان الفلسطيني إياد صباح، تجسيدًا فنيًا لهذه الروح أيضًا.

غزة التي قال فيها محمود درويش: "خاصرتها بالألغام.. وتنفجر.. لا هو موت.. ولا هو انتحار، إنه أسلوب غـزة في إعلان جدارتها بالحياة"

أسطورة العنقاء

تعددت الروايات التي تشير إلى أسطورة العنقاء إلا أنَّ جميع الثقافات أجمعت على أنَّ العنقاء طائر يتجدَّد ذاتيًا.

وتشير جميع الروايات إلى أنَّه في أرض الشرق البعيد، حيث تُفتح بوابات السماء وتُسكب أشعة الشمس، تقف شجرة خضراء دائمة النضارة في بستان لا يعرف الحزن أو الموت. هناك، يعيش طائر العنقاء الأسطوري، الذي يغني بصوت ساحر عند الفجر. بعد ألف عام من الحياة، يسعى للولادة من جديد، فيترك موطنه السماوي متجهًا إلى الأرض، حيث يختار نخلة تمتد إلى السماء ليبني عشه. وفي لحظة تجدد، يحترق الطائر لينبثق من رماده طائر جديد، يعود إلى موطنه الأصلي، متجددًا ومتألقًا. هذه الأسطورة تروي قصة العنقاء، رمز التجديد الذاتي والخلود.

وتُعتبر قصة العنقاء وغزة قصة تجدد وأمل، تُظهر كيف يمكن للروح أن تنهض من الرماد، وكيف يمكن للإرادة أن تتحدى الصعاب. وفي كل مرة تُحاول فيها الظروف أن تُطفئ جذوة غزة، تُثبت المدينة، مثل العنقاء، أنها قادرة على النهوض من جديد، أقوى وأكثر إشراقًا.