نابلس - هيا قيسية - النجاح الإخباري - خلال مشاركتهم في العدوان على قطاع غزة، تفاخر الكثير من جنود الاحتلال بأفعالهم وتصرفاتهم وقاموا بتوثيق عمليات هدمهم للمنازل ساخرين من حال الفلسطينيين، ونشروا شهاداتهم وفيديوهاتهم عبر منصات التواصل الاجتماعي، غاب حينها عن أذهانهم أنهم أشعلوا حراكا ضدهم من أكثر الفئات قربا للسوشال ميديا، ألا وهم الشباب والطلبة.. فنشهد حاليا ربيع الجامعات الامريكية والأوروبية.. كيف لا وهم الطلبة الأكثر تشبعا من مشاهد الفيديوهات على التكتوك ووسائل التواصل الاجتماعي الأخرى..
لم يتوقف الموضوع هنا.. بل حتما كانت وأصبحت هذه المقاطع مادة دسما يحاكم عليها جنود الاحتلال بل وقادته وحكومتهم، فهي دليل قاطع وواضح أمام من يرى ومن لايرى، على جرائم إبادة شعب بالصوت والصورة والدليل القاطع والنية المبيتة..
في هذا التقرير سنرصد بعض هذه المقاطع وسنتحدث عن تبعاتها وتأثيرها على العالم، وعلى مجريات هذه الحرب التي طال أمدها ودخلت شهرها السابع في أوسع وأكبر وأضخم حرب إبادة شهدها العالم أجمع وليس غزة فحسب..
البداية كانت من " وقاحة" جنود متعطشين للدماء والانتقام من الشعب الفلسطيني كباره وصغاره.. فإلى جانب القتل والتهجير والدمار والخراب الواسع.. نشرت مقاطع فيديو توثق تفجير مباني سكنية وجامعات ومراكز ومربعات سكنية بأكملها.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل كانت مناسباتهم واحتفالاتهم تقام على وقع أصوات التفجير والقتل والخراب، فهنا جندي يهدي ابنته ذات العامين،"تفجير مبنى سكني" كان يأوي أطفالها في عمرها وأصغر.. كان يأوي أحلامهم أكبر من عمر دولتها المزعومة وأكثر.. كان يأوي آمنين حالمين بحجم السماء وأكثر.. غير مكترث بانعدام الإنسانية أو لتأثير هذا المقطع..
نضيف إلى ذلك ونسترجع.. حين قطع الاحتلال الماء والوقود والكهرباء والغذاء عن شعب يزيد عدده المليونين، كيف لجندي -لم يعرف أصله ولا بلد المنشأ الذي أتى منه ليحتل أرضنا - أن يسخر من شعب كامل وأمة كاملة وهو ينشر مقطعا مصورا له في إحدى دورات المياه وهو يتحدث عن خطوات الاستخدام وكيفية " سحب السيفون" بكل بساطة.. في الوقت الذي يصطف فيه آلاف المواطنين على حمام واحد لقضاء حاجة طبيعية ملحة لا يمكن لأي مخلوق على وجه الأرض ان يمنع ويقطع هذه الحاجة.. سوى احتلال" قذر" ..
الجرائم غير الأخلاقية كثيرة.. ولها دلالات وتأثيرات بعيدة المدى.. ففي بداية الحرب شاهد العالم هذه الجرائم من خلال منصات التواصل الاجتماعي لصحفيين خاطروا بحياتهم وضحوا بها وبحياة عائلاتهم مقابل إيصال بشاعة مايجري في القطاع من قتل ودمار طال البشر والحجر والأطفال والرضع..
فكانت الهبات الجماهيرية في أوجها في الأشهر الأولى ضمن مشاركات واسعة في مختلف مدن وعواصم العالم.. للمطالبة بوقف الحرب والإبادة.. ولكن لا مستجيب.. قد كنت أسمعت لو ناديت حيا..ولكنلاحياة لمن تنادي..
لم تستجب حكوماتهم لمطالبهم في مسيراتهم المليونية.. ولكن كان لها وقعها في إحياء القضية وإثبات أن العالم اجمع ضد ممارسات هذا المحتل..
أما اليوم وبعد ان خاطب جنود الاحتلال بمقاطعهم هذه جمهور الشباب والمراهقين عبر منصات التكتوك، نجدهم اليوم في هبات وانتفاضات جامعية أشبه"بربيع الجامعات" في الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية واستراليا وكندا.. في سابقة لم نشهد لهؤلاء الطلبة حراكات مستمرة وقوية وحقيقية تطالب جامعاتها بقطع العلاقات مع الاحتلال ورفض دعمها وشراكتها لهذه الإبادة.. رغم محاولات كتم الأصوات والاعتقال وفض المظاهرات داخل حرم الجامعات.. إلا أنهم مستمرون بل وانضم إليهم المواطنون في حراكاتهم ونصب خيامهم خارج اسوار جامعاتهم..
وهل مازلنا نسأل ماهو تأثير هذه المقطاع الاستفزازية من قبل جنود الاحتلال؟
الصورة والصوت في عالمنا الرقمي الحالي ضمن الألفية الثالثة هي الأقوى تأثيرا والأوضح والأصدق ضمن عالم إعلامي " منافق" ومتآمر كما هي حكوماتهم ضد شعبنا الفلسطيني.. ولكن لا يمكن لهذه الحقائق والوثائق أن يتم تجاهلها...
انتقل الأمر للقضاء.. وتم استخدام هذه المقاطع والوثائق في جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان بل وانتهاكات القانون الدولي، خاصة في استخدام الأسلحة الأمريكية، للدفع بإصدار أوامر اعتقال بحق قادة اسرائيلين وخاصة من مجلس الحرب في انتهاكهم للقانون الدولي، استنادا لعدة وثائق وشهادات لمواطنين وأطباء ولجان تحقيق تثبت أن الاحتلال استخدم الأسلحة الأمريكية في ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد القانون الدولي..
صورة "إسرائيل" الحضارية تبخرت بلحظة بفعل ممارسات وجرائم الاحتلال بغزة
أستاذ الإعلام في جامعة النجاح الوطنية د. فريد أبو ضهير، يقول لـ"النجاح": كان من الصعب ضبط سلوك جنود الاحتلال، الذين كانوا يتصرفون بدافع الكراهية والانتقام وبدافع تعويض الفشل الذي منيت به حكومتهم في السابع من أكتوبر، ومابعد ذلك من تراكم الفشل في تحقيق أهداف الحرب المعلنة.
وأضاف أن تصرفاتهم كانت بشعة ومستفزة وساخرة ومذلة للشباب والأطفال والنساء في غزة، وكان لهذه المقاطع التي تم نشرها على حساباتهم الخاصة واعادت وسائل الإعلام العبري نشرها عن "طريق الخطأ" لها تأثير هائل عند المجتمعات الغربية، حيث تغيرت وتزعزت صورة "إسرائيل" التي كانت محسوبة على العالم الغربي والأوروبي بانها دولة حضارية ولديها معايير وأخلاق إنسانية وتحترم مبادئ حقوق الإنسان وتتصرف بمنطق وإلتزام،هذه الصورة (تبخرت) بلحظة واحدة بفعل تصرفات الاحتلال وجرائمه بغزة.
وقال أبو ضهير إن هذا الأمر أدى لرفع منسوب الكراهية ضد الاحتلال "وليس اليهود"، كما أعاد للأذهان جذور القضية التي تتعلق باحتلال غاشم يغتصب أرضا فلسطينية عربية مسلمة وشعبا مظلوما انتهكت حقوقه كافة وسلبت حريته وحقه في إقامة دولته المستقلة.
هذه الممارسات من وجهة نظر أبو ضهير أشعلت الغضب في قلوب الشباب الذين تربوا على احترام الأنسان وحقوقه، والذين كانوا يتوقعون ممارسات مشابهة من قبل دول العالم الثالث والمعادي للغرب وليس من دولة محسوبة عليه وتحظى في حصانة وحماية أوروبية وأمريكية.
الإعلام الإسرائيلي لم يدرك تداعيات وتأثير مقاطع جنود الاحتلال المستفزة في غزة ونشرها عن طريق الخطأ
قال أبو ضهير إن وسائل الإعلام الإسرائيلية أعادت عن طريق الخطأ نشر بعض المقاطع لجنود وثقوا جرائمهم في غزة بصورة مستفزة، ولم تدرك التأثير السلبي لهذه المقاطع ونشرها ليس حبا في الفضائح والمشاكل، ولكن لم يتوقعوا أن لها نتائج عكسية في حشد غضب عالمي وتغيير صورة الاحتلال لدى الغرب..
فيما أن النتائج كانت ايجابية لدى الشعب الإسرائيلي الذي يسير بهذا الاتجاه ضد الشعب الفلسطيني ويحرض على مزيد من القتل والدمار بل ويبرر هذه الممارسات البغيضة التي تنسجم مع العقلية الإحتلالية.
تداعيات قانونية ترتبت على توثيق جنود الاحتلال جرائمهم
"القوانين الدولية تعاقب المهزوم والضعيف أما القوي فيخرج منها مثل" الشعرة من العجين"
" الحصانة لإسرائيل وصمة عار في جبين القيم الإسرائيلية"
اعتبر أبو ضهير أن مقاطع الفيديو التي انتشرت لجنود الاحتلال ويهم يفجرون مباني سكنية ويسرقون منازل المواطنين وممتلكاتهم ويسخرون من الاوضاع الإنسانية وغيرها الكثير، ماهي إلا أدلة قوية على بشاعة الممارسات وعلى السياسات الهمجية وعلى القتل المتعمد للأبرياء والانتهاكات الصارخة والجسيمة في مجال حقوق الإنسان، ويمكن استخدام هذه الوثائق بشكل فعال، ولكن.."القوانين الدولية والمحاكم تعاقب المهزوم والضعيف، في حين أن القوي يخرج دائما مثل الشعرة من العجين بكل الوسائل المتاحة من المساءلة". كما يقول أبو ضهير.
واستند بذلك أبو ضهير على إفلات الولايات المتحدة الأمريكية من العقوبات على جرائمها في فيتنام والعراق والصومال وأفغانستان والتي كانت أيضا موثقة وعليها أدلة واضحة ومثبتة.
لذلك، فإن الاحتلال دولة قوية تحظى بدعم شديد وقوي وغطاء كامل من الولايات المتحدة ودول أوروبية كثيرة، وهذه الحصانة والحماية تجعلها بعيدة عن المساءلة. كما يجري حاليا من ممارسات لمنع محكمة الجنايات من استصدار أوامر اعتقال بحق قادة الاحتلال ومجرمي الحرب، وكما لم تطبق قرارات محكمة العدل الدولية التي طالبت بوقف الحرب، وكما لم تطبق أيضا قرارات مجلس الأمن.. لذا تعبر هذه الحصانة خطيرة، وستبقى وصمة عار في جبين القيم الإنسانية التي يدعيها العالم الغربي.
الحراك الطلابي العالمي زاد من غضبه بسبب قمع حكوماتهم لحريتهم في التعبير عن الرأي، فأصبحت القضية قضيتان.. مطالباتهم بوقف الحرب وغضبهم من قمع حريتهم بالتعبير التي تربوا على أساسها في دولهم".
ختاما.. مهما طال الظلم ومهما كان الاحتلال يحظى بغطاء دولي.. ستبقى هذه الممارسات وهذه الجرائم محفورة بذاكرة الأطفال والشبان والشيوخ وفي صفحات التاريخ الذي لايمكن تزويره بعد حجم الفظائع التي شهدها العالم على مرأى ومسمع قادة حكوماته ومن خلال وسائل التواصل الاجتماعي التي لاتعرف سوى الحقيقة على خلاف وسائل إعلام مسيسة حاولت بداية الحرب تشويه الصورة وقلب الحقائق وتلفيق التهم للمظلوم..
لن تغيب عن الأذهان صور الشبان العزل الذين تم استهدافهم بقذائف الواحد تلو الأخر.. وحملهم في جرافة ودفنهم في الرمال.. لن تغيب عن اللآذهان.. مشاهد جنود تناولوا طعامهم وشربوا نخب " خيبتهم" على وقع أصوات انفجار أحياء سكنية كاملة ومسحها عن بكرة أبيها..
فلا الظلم سيدوم.. ولا الحقد سينفع.. فلعنات عشرات الآلاف من الضحايا في غزة ستبقى تلاحقهم وتقض مضاجعهم..