النجاح الإخباري - في أعقاب العمليات العسكرية التي استمرت لمدة أسبوعين، تركت القوات الإسرائيلية وراءها مشهدًا مروعًا من الدمار في محيط مجمع الشفاء الطبي بشمال قطاع غزة. الركام والأشلاء والعظام المتناثرة تحكي قصصًا لا يمكن للكلمات وصفها، وترسم صورة قاتمة للحجم الحقيقي للكارثة.

ويحاول سعيد جودة، الذي وصل إلى المكان مع مئات غيره من الفلسطينيين لتفقد آثار ما خلَّفه الجيش بالمكان، وصف ما رآه فيجد نفسه عاجزًا عن التعبير من  هول المشهد الذي يُعجز اللسان. 

يقول "هي أكبر من حرب، هي كارثة غير مسبوقة بكل معنى الكلمة".

القصف الذي استهدف المباني حوّلها إلى أنقاض، وكأن زلزالًا ضرب المكان، وترك الطرقات مليئة بالأشلاء. الجيش الإسرائيلي، الذي نبش قبور الفلسطينيين وترك العظام والأشلاء متناثرة، يُظهر عدم اكتراث بالحياة الإنسانية والكرامة. 

نبش الجيش قبور الفلسطينيين الذين دفنوا في ساحات المستشفى خلال الحرب، وتناثرت عظام وأشلاء يستحيل معرفة صاحب هذه من صاحب تلك. 

كان الفلسطينيون قد دفنوا عشرات الجثث في ساحات المستشفى بعد السابع من أكتوبر تشرين الأول بعدما حوصر المستشفى في وقت سابق، ولم يتمكن الناس من دفن القتلى.

ونبش الجيش الإسرائيلي في أوقات سابقة مقابر أخرى في شمال قطاع غزة بحثا عن إسرائيليين ربما قُتلوا ودُفنوا هناك.

 "أهوال مرعبة"

على بعض جدران ما تبقى من مجمع الشفاء الطبي خطَّ عاملون مذكراتهم اليومية، فكتب أحدهم "صبرا يا أهل الشفاء، فإن فرجكم قريب"، وكتب آخر "لقد حضنت الموت عشقا".

ومن بين الشهادات على الأحداث المهولة:

يقف محمد الجبالي أمام الخراب، يشهد على الجثث التي دهستها الدبابات ويعلن أن الإنسانية قد فقدت معناها في ظل هذه الأهوال المرعبة.

عبد الرحيم ناجي يتحدث عن الدمار الذي طال مئات المنازل والمستشفى نفسه، ويصف أحوال المرضى بأنها تثير الذعر.

ويضيف "لم يبق للإنسانية معنى بعد كل ما شاهدناه. نسينا الجوع والحصار الذي تعرضنا له على مدى شهور بعدما شاهدنا كل هذه الأهوال المرعبة".

وقال عبد الرحيم ناجي إن الدمار طال مئات المنازل في محيط المستشفى بالإضافة إلى دمار المستشفى نفسه.

وواصل حديثه: "قسم الولادة تم تدمير جزء كبير منه، وكثير من الأقسام طالها الخراب والدمار. أحوال المرضى الذين كانوا في المستشفى تثير الذعر. لا يمكن لإنسان أن يستوعب كل هذا الرعب".

كل هذا الدمار يأتي في أعقاب انسحاب قوات الاحتلال من المكان حيث أعلن الجيش الإسرائيلي اليوم الإثنين استكمال عمليته في مجمع الشفاء الطبي ومحيطه.

وأفادت طواقم الدفاع المدني في غزة بأنها عثرت على 300 جثة بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من المكان، في حين ذكرت إذاعة الجيش الإسرائيلي: أن الجيش قتل 200 "إرهابيًا" في مجمع الشفاء ومحيطه واعتقل نحو 500.

القصف لم يستثنِ مترًا واحدًا 

وقال المتحدث باسم الدفاع المدني في قطاع غزة محمود بصل إن الطواقم لا تزال تنتشل جثامين الضحايا بمحيط المجمع، مؤكدا أنه لم يعد يصلح لأن يكون مركزا طبيا بعد أن دمر الجيش الإسرائيلي مبانيه كافة.

وأضاف "المباني حُرقت بشكل كامل وتم قصف العديد منها بالصواريخ. لا يوجد متر واحد في مجمع الشفاء لم يُقصف".

وواصل حديثه "هناك عمليات تجريف واسعة بمحيط المجمع، وجميع الأراضي بداخله قد جُرفت كذلك، إضافة لتجريف المقبرة التي كانت بساحة المستشفى". وقال إن الجيش الإسرائيلي نقل الجرحى الموجودين داخل المجمع لأكثر من مبنى رغم عدم قدرتهم على الحركة.

وتابع قائلا إنه وفقا لشهادات الجرحى والمرضى الموجودين في مجمع الشفاء، فإنه لم يصلهم أي طعام أو ماء طوال فترة حصار المجمع التي استمرت 15 يوما. وتابع "العديد من المرضى تعفنت جروحهم وتدهور وضعهم الصحي بسبب عدم تلقي أي علاج طوال هذه الفترة".

كما أشار إلى أن مربعات سكنية كاملة في محيط مجمع الشفاء دمرت بالكامل، لافتا إلى أن العديد من العائلات لا تزال تبحث عن أبنائها تحت الركام وتعجز عن إخراجهم لعدم توفر المعدات.

واعتبر المتحدث أن حصار مجمع الشفاء "من أبشع المشاهد وأكثرها مأساوية منذ السابع من أكتوبر، حيث دُمرت منظومة صحية كبيرة بشكل كامل".

جريمة مروعة 

وقالت مصادر أنه تم إحراق مباني مجمع الشفاء وأنه خرج بالكامل عن الخدمة.

وتحدث المدير العام للمكتب الإعلامي الحكومي في غزة إسماعيل الثوابتة عن استشهاد 400 فلسطيني في مجمع الشفاء ومحيطه خلال فترة اقتحام المجمع، إضافة إلى اعتقال المئات، ووصف ما حدث في مجمع الشفاء بأنه "جريمة ضد الإنسانية والقانون الدولي وكل اتفاقيات حقوق الإنسان".

أما حركة حماس، فقد وصفت ما حدث بمجمع الشفاء الطبي بأنه "جريمة مروعة"، وطالبت المجتمع الدولي والأمم المتحدة بالتحرك الفوري للدخول إلى مدينة غزة للاطلاع على تداعياتها، وحثت المحكمة الجنائية الدولية على التحقيق فيها.