النجاح الإخباري - رغم رائحة الموت وركام الدمار المنتشر في قطاع غزة، تنبعث صور الصمود والإصرار حاملة معها قصصًا ومهنًا كانت حتى وقت قريب من الماضي البعيد، لتروي تفاصيل حياة أهالي غزة المليئة بالصراعات والحاجة إلى البقاء.

يظهر المسحراتي من جديد في شوارع غزة محاولا أن يكون بديلا مؤقتا بعدما خفت صوت المساجد التي قصفت إسرائيل ألف منها، من أصل 1200 مسجد في القطاع الساحلي الضيق، وفقا لإحصائية نشرتها وزارة الأوقاف في غزة الشهر الماضي.

وفي مدينة رفح الحدودية حيث تمتد خيام النازحين لعدة كيلومترات، يتجول إياد حسونة بين الخيام قارعًا بقطعة خشبية على عبوة فارغة لبث روح رمضان في الأحياء،يوقظ العيون الساهرة لتناول وجبة السحور إن وجدت في شهر رمضان الذي أوشك أسبوعه الأول على الاكتمال.

وقال حسونة لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) "الناس هنا بالكاد تنام، وبالكاد تجد ما تتسحر به لكن نريد أن نحافظ على الأجواء الرمضانية. لا يصل صوت المساجد التي لا زالت تعمل إلى هنا، فأخذت على عاتقي العودة لممارسة دور المسحراتي".

إحياءً للماضي

ويشير حسونة إلى أن المسحراتي كان موجودًا قبل الحرب، لكنه الآن انتشر بصورة كبيرة "وأصبح في بعض المناطق حاجة أكثر من كونها عادة رمضانية".

وأضاف "منذ بداية الحرب والدمار، يعيش الناس في غزة في فقر ومعاناة، وتوقفت الحياة الاجتماعية والاقتصادية بسبب الدمار الهائل وانقطاع الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والماء، وبدأ الناس بالعودة إلى تراثهم وثقافتهم للبحث عن حلول لمشاكلهم اليومية".
 
وإذا كانت الأوضاع الأمنية في رفح تسمح إلى حد ما بتنقل المسحراتي بين الخيام، يبدو الحال مختلفا في مناطق أخرى مثل شمال قطاع غزة الذي بقي فيه مئات الآلاف ولم ينزحوا جنوبا.

محمد عبد ربه يخاطر بنفسه يوميًا ،ويقرع على دف قديم بين البيوت المدمرة في مدينة غزة بشمال القطاع محاولا إيقاظ الناس لتناول السحور، على الرغم من علمه أن المجاعة تفتك بالأهالي هناك ولا يجد الناس شيئا يأكلونه بعدما عزلت إسرائيل شمال القطاع ومنعت وصول المساعدات الإنسانية إليه.

وقال عبد ربه إن الواقع الذي تعيشه مناطق شمال قطاع غزة يبدو مرعبا.

وأضاف "لا أعلم متى يكون القصف التالي ومتى تدخل الدبابات من جديد إلى منطقتنا، لكن نريد أن نعيش رمضان بطقوسه وعاداته حتى في أصعب الظروف. أعلم أن الناس هنا لا تجد ما تأكله لكن إيقاظهم للسحور أشعر بأنه جزء من المسؤولية، حتى لو استيقظوا لشرب الماء".

وأوضح عبد ربه أن كل مساجد شمال قطاع غزة تقريبا دمرت، سواء بشكل جزئي أو كلي، وقال إنه لا يوجد كهرباء لتشغيل مكبرات الصوت في المساجد "وبالتالي كان لا بد من البحث عن حلول والعودة إلى مهنة المسحراتي".

ويحاول رامي حمودة أن يكون أكثر حرصا في ظل المخاطر التي تواجه الناس في شمال قطاع غزة، وبينما يصر على ممارسة دور المسحراتي، فإنه اختار أن تكون طريقته مختلفة، وأطلق على نفسه لقب "المسحراتي العصري".

وقال حمودة إن الواقع في شمال غزة محفوف بالمخاطر، وكان من الصعب السير في الشوارع ليلا لإيقاظ الناس، فكان الحل لديه تكنولوجيا من خلال إنشاء مجموعة على منصات التواصل الاجتماعي ينضم إليها من يرغب، ويتم الاتصال بالأشخاص الموجودين في هذه المجموعات لإيقاظهم على السحور.

هكذا، في كل ليلة من ليالي رمضان، يتجدد الأمل في غزة، ويتردد صوت المسحراتي كرمز للصمود والتحدي، معلنًا أن الحياة، مهما كانت قاسية، لا تخلو من بصيص أمل يضيء الظلام.