نابلس - خاص - النجاح الإخباري - تطرق الأكاديمي الفلسطيني نائب رئيس جامعة دار الكلمة للاتصال والعلاقات الدولية، د. إيهاب بسيسو إلى عوامل التأثير وبناء الهوية الثقافية خلال استضافته في مركز الشيخ ابراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث في البحرين، موضحا أن البحث في تعريف الثقافة وتعريف المجتمع في ظل كل المتغيرات التي نواجها على صعيد كل ما يحدث سواء على المستوى الاقتصادي والعالمي وغير ذلك.

ويعد مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث من أهم المراكز الثقافية التي تلعب دورًا بارزًا في الحياة الحضارية البحرينية حيث يتولى المركز مهمة الإشراف على عدد من المشاريع التي تهتم بالحفاظ على ذاكرة البحرين وشعبها ويستضيف شخصيات ثقافية وأدبية بحرينية وعربية وعالمية ضمن ندوات ولقاءات دورية.

وقال بعد تقديمه للحديث من الشيخة مي بنت محمد آل خليفة ، "عند الحديث عن العلاقة وربما العوامل التي تؤثر في المجتمع من النواحي الثقافية، فلابد من الإشارة إلى نقطة ارتكاز تاريخية بالغة الأهمية، وهي أن العالم بعد الحرب العالمية الثانية اختلف جذريا عن العالم ما قبل الحرب العالمية الثانية، مشيرا إلى أنه بعد الحرب العالمية الثانية تم تمهيد الطريق إلى المزيد من التحركات السياسية والاجتماعية ولعل أبرزها: "التخلص من الاستعمار القديم والاستعمار التقليدي وظهور حركات مقاومة الاستعمار وحركات مناهضة الاستبداد والهيمنة من أقصى شرق الأرض إلى غربها، والذي استمر لسنوات طويلة تحررت من خلاله الكثير من المجتمعات والدول، ولكن أيضا هذا العالم قدم نموذجا متجددا للاستعمار والهيمنة تمثل في عام 1948بنكبة فلسطين".

ثورة في المفاهيم

وأضاف، عند الحديث عن عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية يجب أن نتحدث عن ثورة في المفاهيم السياسية والاقتصادية والمجتمعية، مشيرا إلى ان الخسائر الفادحة التي تكبدتها البشرية على مدار سنوات الحرب العالمية الثانية وهذا التغير المخيف على طبيعة الديمغرافيا سواء كان في أوروبا او أفريقيا حتى على مستوى العالم العربي، دفع إلى تشكل جديد لطبيعة هذه المجتمعات سواء كانت في الغرب أو المنطقة العربية كجزء من الشرق الكبير.

وتابع، "كل ما سلف يدفعنا للحديث عن الهوية وما هي الهوية بعد كل هذه المتغيرات الشديدة، وكيف يمكن لهذه الهوية ببعدها الثقافي والديني والاقتصادي والمعرفي أن تساهم في حالة من الاستقرار المجتمعي في ظل حالة الحركة الدائمة، موضحا أن ما يهمنا اليوم هو الحديث عن الهوية الثقافية إلى جانب التعريف بالهوية الوطنية والاقتصادية والدينية والتي شكلت بطريقة أو بأخرى حالة من حالات التعمق في قراءة المجتمعات نرى أنه من المهم أن نلفت الانتباه إلى ما يمكن الاصطلاح عليه باسم الهوية الثقافية".

الفكر والسلوك

وأشار إلى ان المقصود عند الحديث عن الهوية الثقافية المجتمعية، يكون الحديث عن الهوية الإبداعية وهوية السلوك، باعتبار أن الثقافة هي حالة يومية يتم التعبير من خلالها ومن خلال أدواتها المختلفة كالأدب والفن والموسيقى والعمارة وغيرها عن حالة المجتمع، وأوضح أن الثقافة هي خلاصة الفكر والسلوك معا، والذي ينتقل من جيل إلى آخر، وشدد على أن هذه الثقافة ليست جامدة، كما أنها ليست واحدة فقط، بل هي متجددة ومتغيرة وتخضع لكثير من العوامل.

ورأى بسيسو أنه حال نظرنا إلى هذه العوامل ستبدو بديهية، لكنها في ذات الوقت تستحق الكثير من التأمل.

وأضاف، "ننظر على سبيل المثال إلى عامل اللغة، والمهم في تشكيل العلاقة بين المجتمع وما بين الثقافة وما بين طبيعة الهوية"، وتابع، "عندما نتحدث عن اللغة، بالتأكيد لا نريد الحديث عن العملية الابداعية، أي لا نتحدث عن اللغة عبر الابداع سواء كان الشعر أو القصة أو المسرح أو الرواية، لكن نتحدث عن اللغة كاستراتيجية تعليمية، بمعنى كيف يمكن لهذه اللغة أن تنتقل من جيل لآخر وتنتقل من حالة إلى حالة وأن تحافظ على رشاقتها وعنفوانها وحيويتها، مشيرا إلى ان هناك لغات عابرة للحدود ومن بينها اللغة العربية التي ساهمت في التأثير في لغات أخرى,

ؤ

ولفت إلى تأثير العلاقات في طبيعة الانتاج سواء على صعيد الصناعة والتجارة والزراعة في خلق مفاهيم لترابط المجتمع، مبينا أنه عند الحديث عن الاقتصاد فيجب الحديث عن التجارة وبالتالي يجب الحديث عن الموروث الثقافي وللحديث عن التأثير والتأثر بالحديث عن الثقافات التي تبدأ فيها التجارة شق ممرات للحياة الانسانية.

ونبه إلى أن الحديث عن الاقتصاد يقودنا إلى "رحلة الشتاء والصيف"، وكيف أثرت حركة التجارة في مكة الجاهلية قبل الاسلام في أن تكون احدى العوامل التي تؤثر على الهوية سواء ان كانت الدينية أو المجتمعية، وكيف تحولت هذه الرحلات التجارية إلى حالة من حالات ايضا إلى المركزية في سياق التعريف باللغة العربية والتعريف بالمفاهيم المختلفة سواء كانت على المستوى المجتمعي أو الديني أو غيره.

الشيخة مي بنت محمد آل خليفة مع الأكاديمي بسيسو

وعرَّج خلال الندوة في مركز الشيخ ابراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث في البحرين على جذوره الفلسطينية الغزية وأصوله من مدينة غزة التي تحتضن قبر السيد هاشم بن عبد مناف جد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، متسائلا: "ما الذي دفع برجل في ذلك التاريخ أن يخرج من مكة لكي يدفن في غزة قبل أكثر من 1400 عام، منبها إلى ان هذه دلالة على العلاقة بين اللغة من جهة والاقتصاد من جهة أخرى لكيفية التأثر والتأثير في جعل هذه الهوية الثقافية والوطنية أيضا حالة من الانسجام مع العامل الثالث ألا وهو عامل التاريخ.

عامل التاريخ

وبالإشارة إلى عامل التاريخ، أشار إلى الحديث عنه يكمن في جملة من الأحداث ليست فقط على العامل السياسي والعسكري وإنما أيضا على المستوى الفردي والمجتمعي والاقتصادي.

ونبه إلى أن التاريخ مهم جدا كعامل مهم في تشكيل الهوية الثقافية، وربما التعامل سياسيةً مع التاريخ يحتاج منا إلى الكثير من العناية، بمعنى كيف ننظر إلى التاريخ وما هو المقصود من التاريخ الذي نريده، وكيف يمكن أن يكون التاريخ نقطة انطلاق مشجعة نحو ابتكار العديد من المفاهيم الجديدة المعاصرة.

وأضاف أنه لولا اللغة والاقتصاد والعلاقة مع التاريخ والعلاقة مع الدين لما تشكلت هذه الجملة من المفاهيم "العلاقاتية" إن جاز التعبير في سياق تشكيل هوية ثقافية ما زلنا حتى هذه اللحظة نتحدث في تأثيرها في طبيعة تشكلنا الوطني والسياسي.

عامل الدين

وتطرق خلال عامل الدين بعيدا عن التدين، بل تحدث عن العوامل الذي تفرض الخطاب الديني سواء الذي تتبناه المؤسسة ببعدها الرسمي أو بعدها الأهلي، مشيرا إلى أن الكثير ذهبوا السياقات التي جاء فيها هذا الخطاب ليكون هو عنوان من عناوين المجتمعات، ليس في الشرق فحسب أو المنطقة العربية لكن في أوروبا والشرق،

وتابع، "نحن ننظر إلى الدين ليس كممارسة روحية فقط لكن ننظر إلى الخطاب الديني الممأسس والذي يتم من خلاله توظيف الخطاب الديني بسياق سياسي واقتصادي ومعرفي ولغوي، مشيرا إلى أن القرآن الكريم شكل جسرا لخروج الجزيرة العربية نحو فضاءات أخرى بما انسجم مع اللغة العربية والتي أصبحت اللغة الأكثر انتشارا في الأمصار التي تم الوصول إليها.

يذكر أن إيهاب بسيسو أكاديمي وشاعر ومهندس معماري فلسطيني، حاصل على درجة البكالوريوس في الهندسة المعمارية ودرجتي الماجستير والدكتوراه في الإعلام الدولي من جامعة كارديف في ويلز. عمل مستشارًا أكاديميًا ومدربًا إعلاميًا لعدد من المؤسسات الإعلامية العربية والدولية، شغل منصب وزير الثقافة الفلسطينية بين عامي 2015 و2019، وشغل منصب رئيس المكتبة الوطنية الفلسطينية، ويشغل حاليًا منصب نائب رئيس جامعة دار الكلمة للاتصال والعلاقات الدولية.

 صدر له ديوانه الأول بعنوان «نورس الفضاء الضيق» والثاني بعنوان «يحدث في ساعة الرمل» ومجموعتان شعريتان «حين سار الغريب على الماء» و «كن». ضدك مرّتين.