نابلس - منال الزعبي - النجاح الإخباري - نسير في الحياة على درب أعمارنا، تشغلنا الصغائر ونغفل عن دواخلنا، إلا أننا في لحظة ما نرتطم بواقع يغير مسارنا.

كريمة النجار أو كاريمان كما ينادونها (30)  عامًا  من مدينة خان يونس في قطاع غزة، فتاة تحدّت نفسها وانتصرت على اليأس والإحباط، فامتلأت مواقع التواصل الاجتماعي برسومات مبهرة لفتاة جميلة استقطبت المتابعين والمعجبين.

 إلا أنّ خلف هذا الجمال وتلك الموهبة حادثة مؤلمة ترويها كريمة لـ " النجاح"، تقول: "كنت بزهوة إدراكي للحياة كفتاة بعمر (١٧) مفعمة بالحياة والأمل، لديّ الكثير من الطموحات، إلا أنَّ حادثة مريرة قلبت حياتي رأسًا على عقب، جذبتني من هرم النشاط والإقبال على الدنيا إلى قاع اليأس والإحباط، حين استيقظت بعد وقوعي من الطابق الرابع، ارتطمت بواقع انتزع مني كلَّ لحظة جميلة قبله، لأجد نفسي مقعدة على كرسي لا أقوى على النهوض، إصابة بالشلل النصفي جعلتني من ذوي الإعاقة".

 حادثة حدّت من خطواتها، وصفتها بمرارة: "خمس سنوات من النزف النفسي والإحباط، والليل الطويل، أكابد الألم والدموع، لم يكن تقبّل واقعي الجديد هينًا، إلا أنّني أدركت بداخلي قوّة خفية عوضني بها الله حين أراد لي أن أكون من ذوي الهمم".

وتابعت كريمة بعيون يلمع بها الأمل: "جلست مع نفسي أخاطبها وأحثّها فإذا فقدت الحركة، فإنّ الحياة لا تقف، رددت عبارة – قم واجه واقعك – كان الرسم يستهويني إلا أنّني لم أعرف أنّ قلم رصاص سيغير حياتي من جديد".

التحقت كريمة بدورة رسم مدّة 6 شهور قطعت لأجلها مسافة ثماني كيلومترات؛ فأتقنت رسم البورتريه، ترسم كلّ ما تقع عليه عينها، تجسّد الشخصيات البارزة مستحضرة محمود درويش والشهيد الراحل ياسر عرفات والمشاهير من الممثلين، تملأ فراغها بعالم ملوّن من الفن والإبداع حدّ الاحتراف، تجوب روحها العالم عبر الشبكة العنكبوتية حتى عرفتها مواقع التواصل الاجتماعي بملامحها الجميلة وروحها القوية.

جهد مضاعف بذلته كريمة لأجل أمور لا تشترى بالمال، استيقظت من كابوس ليلها الطويل وأمسكت خيوط الشمس لتنير جنبات روحها؛ لتتجاوز غرفتها الوحيدة التي تشكل نومها ومطبخها وحمامها، انغمست بالرصاص لتقتل الملل، وتنتصر لنفسها، كنهر ينزف فينبت الربيع.

بإمكانيات بسيطة منحت كريمة ذاتها أحقيّة الوجود، تطمح للمزيد من التطور واتقان الرسم بكلّ الألوان، وأن تمتلك مرسمًا غنيًّا بما يزيد إنتاجها، وأن تصل العالميّة من خلال المعارض.

بعد أن عرف الناس كريمة بروحها من خلال رسوماتها قبل أن تكشف تفاصيل روايتها، أصبحت عنوان التّحدي والتّحرر من قيود كرسيها المتحرك بعد أن أعادت لها ريشتها الحياة.

خرجت كريمة للإعلام تتحدث عن تجربتها لتكون ملهمة للكثير من المسحوقين تحت عجلات اليأس والإحباط، لتنحي نظرة الشفقة وتستبدلها بنظرة فخر بفتاة فلسطينية تعيش في بقعة من الظلام فتشرق.

كريمة ترسم وتغني، إلا أنَّ صوت غنائها كتمته العادات والتقاليد؛ ليتفجّر عبر جدران غرفتها فقط، تشحذ به نفسها هي التي لا تحتاج منبّهًا، شغفها من يوقظها لتكون ما تريد بعزيمة وإصرار.

تركت مواهبها تتحدّث عنها كاسرة صمت خمس سنوات، فحين تبرز النتائج يغدو الكلام لا قيمة له.