نابلس - ميساء أبو العوف - النجاح الإخباري - رأى خبراء ومحللون سياسيون أنه من الصعب التنبؤ خلال المرحلة الحالية بإمكانية اندلاع انتفاضة ثالثة في المنطقة، وذلك بالرغم من أن الظروف جميعها متشابهة ومهيأة للانفجار كما حدث مع انتفاضة الأقصى التي حدثت في مثل هذا اليوم قبل عشرين عاماً، من حيث انسداد الافق السياسي وانقلاب "اسرائيل" على حل الدولتين وعلى اتفاق أوسلو وعلى كل الاتفاقيات التي وقعت، إضافة إلى إجراءات الاحتلال المتصاعدة ضد الشعب الفلسطيني من استيطان وتهويد للمدينة المقدسة وسياسة الاعتقالات المستمرة وهدم البيوت وصفقة "القرن" وخطة الضم وغيرها الكثير من الاعتداءات المتواصلة من قبل حكومة الاحتلال على الشعب الفلسطيني.

ففي مثل هذا اليوم قبل عشرين عاما، اندلعت شرارة الانتفاضة الفلسطينية الثانية (انتفاضة الأقصى)، كرد فلسطيني شعبي على الأعمال الاستيطان "الإسرائيلية"، ورفض حكومة الاحتلال وقتها برئاسة أيهود براك، تنفيذ بنود اتفاقيات السلام، وخضوعه لقوى اليمين المتطرف وقتها، وسماحه لرئيس وزراء الاحتلال السابق أرئيل شارون بتنفيذ عملية اقتحام لباحات المسجد الأقصى، ضمن الخطط "الإسرائيلية" وقتها الرامية لتهويد المسجد.

وتجوّل شارون في ساحات المسجد، وقال إن "الحرم القدسي" سيبقى منطقة إسرائيلية، مما أثار استفزاز الفلسطينيين، فاندلعت المواجهات بين المصلين والجنود الإسرائيليين، استشهد على إثرها سبعة مواطنين وجُرح 250 آخرون، كما أُصيب 13 جنديا من جيش الاحتلال.

وفيما بعد، شهدت مدينة القدس مواجهات عنيفة أسفرت عن إصابة العشرات، وسرعان ما امتدت إلى جميع المدن في الضفة الغربية وقطاع غزة، وسميت بـ"انتفاضة الأقصى".

من الصعب التنبؤ بانتفاضة ثالثة

من جهته أوضح المحلل السياسي أسامة عثمان أن الظروف التي هيأت لاندلاع انتفاضة الاقصى عام 2000 هي الوصول إلى مرحلة الانسداد السياسي بعد فشل اتفاقيات كامب ديفيد وفشل الحوار في الوصول إلى حل للموضوع الفلسطيني، إضافة إلى وصول اوسلو إلى مرحلة حرجة. علاوة على زيارة شارون للمسجد الاقصى والتي كانت بمثابة الشرارة التي اشعلت المنطقة.

وتابع في حديث لـ "النجاح الاخباري": في الفترة الاخيرة بدأ ينتشر موضوع مختلف عن الرواية السابقة في الصحافة "الاسرائيلية" وهو ان "اسرائيل" حاولت ان تثبت من خلال ما روجه باراك آنذاك انه لا يوجد شريك فلسطيني بحيث كان يراد تكريس هذا الرأي".

وأضاف :" في دوائر الاستخبارات الاسرائيلية كان هناك بحوث مهنية توصلت الى ان الرئيس الراحل ياسر عرفات لم يكن مسؤولا عن اندلاع انتفاضة ال2000 أي أنه لم يكن يحث او يدفع نحو هذا الاتجاه، ولكن كان هناك توجه سياسي جعل ياسر عرفات مسؤولا عن هذه الاوضاع من خلال محاولة تكييف هذه التقارير الاستخباراتية المهنية لتتوافق مع التوجهات السياسية آنذاك من أجل نزع الشرعية عن الرئيس عرفات، ومن أجل تكريس مقولة باراك ب"أنه لا شريك فلسطيني".

وفيما يتعلق بإمكانية اندلاع انتفاضة ثالثة، أكد عثمان أنه من الصعب التنبؤ في اللحظة التاريخية التي ستنضج فيها الظروف وتشتعل. مشيرا الى أنه في حركة الشعوب ومسألة كيف ستكون ردود افعالها والتراكمات التي تحدث (في الشعب الفلسطيني)، من ضغوط احتلالية واستفزاز مستمر باعتداءات المستوطنين وما الى ذلك، وانتهاكات المسجد الاقصى والتضيق على الناس في معاشهم.

ولفت الى ان ما يترافق مع دعوات فصائل منظمة التحرير الفلسطيني وفصائل العمل الوطني لموضوع المقاومة الشعبية، قد يحدث نوع من  التدحرج. لكن الظروف الحالية مربكة للناس خاصة فيما يتعلق بالظروف المعيشية والاثار النفسية لعملية التحول من مسار التفاوض الى مسار المقاومة.

وأردف قائلا: "هناك نوع من الضعضعة بحاجة الى إعادة تنظيم بالنسبة للجهات القائمة بالعمل الوطني والنضالي واعادة اتصالها بالشعب الفلسطيني، واحياء عملية التعبئة والحشد بالإضافة الى الظرف السياسي الذي يحكم والظرف العالمي. فهناك انشغالات في المنطقة  العربية والعالمية وظروف معقدة تحكم الحياة تجعل من اندلاع الانتفاضة بالمعنى المشابه ل2000 صعب التوقع."

وبيّن أن التطبيع العربي وان كان الفلسطينيون يدركون انه لا تعويل كبير على الانظمة العربية لكن مثل هذا الاعلان التصريح بالعلاقات وخروجها من السر الى العلن، مثل نوع من الخذلان للشعب الفلسطيني.

وأشار الى ان مفاعيل هذا الخذلان واستشعار القوى السياسية والفصائل بوجود خطر يهدد القضية الفلسطينية في مرحلته الاخيرة. وذلك من خلال مشروع  "صفقة القرن" ومشروع الضم وما نتج عن ذلك من توحد الفصائل الفلسطينية وتقاطعها في نقطة محددة وهي افشال "صفقة القرن" وافشال عملية الاجهاض على القضية الفلسطينية وما تبقى منها.

وتميزت الانتفاضة الثانية، مقارنة بالأولى التي اندلعت عام 1987، بكثرة المواجهات، وتصاعد وتيرة الأعمال العسكرية بين الفصائل الفلسطينية وجيش الاحتلال.

كما نفذت الفصائل الفلسطينية هجمات في الداخل المحتل، استهدفت تفجير مطاعم وحافلات، تسببت بمقتل مئات المستوطنين.

ووفقا لأرقام فلسطينية وإسرائيلية رسمية، فقد أسفرت الانتفاضة الثانية عن استشهاد 4412 فلسطينيا، بينما قُتل 1100 إسرائيلي، بينهم ثلاثمئة جندي، وجرح نحو 4500 آخرين.

احباط قد يسبق العاصفة

من جهته قال المحلل السياسي حسام الدجني أن أهم الاسباب التي ادت الى اندلاع انتفاضة الاقصى هو السبب السياسي والمتعلق بتنكر وانقلاب "اسرائيل" على اتفاق اوسلو الذي كان ينص على ان عام 1999 هو عام نهاية المرحلة الانتقالية وبداية تأسيس مرحلة الدولة والحل النهائي ومناقشة قضايا الحل النهائي لكن دولة الاحتلال لم تلتزم بذلك. ولم يلزمها المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة.

وأضاف في حديث لـ "النجاح الاخباري": كان هذا احد اهم الدوافع الاساسية والتي تجسدت في واي ريفر لقاءات عرفات كلينتون وطرح  باراك لموضوع المسجد الاقصى وموقف الرئيس الراحل ياسر عرفات الرافض لذلك بالاضافة الى الحدث الميداني وهو دخول شارون للحرم القدسي، جميعها عوامل ساهمت في انفجار الاوضاع واندلاع انتفاضة الاقصى."

وأكد الدجني أن الوضح الحالي اسوأ مما كانت عليه عام 2000  فهناك واقع اقتصادي مزري وحصار ظالم في قطاع غزة، واخر مشابه في الضفة الغربية وان اختلف جو هذا الحصار. في قطاع غزة لقمة العيش وفي الضفة الكرامة والسيادة و كليهما مساس بكرامة المواطن الفلسطيني.

وتابع قائلا:" هناك مسألة بالغة الاهمية لا يمكن التجاوز عنها وهي صفقة القرن وانقلاب دولة الاحتلال والمجتمع الدولي والاقليمي، بالإضافة الى الفعل الحقيقي لـ "اسرائيل" على الارض فلم يعد هناك واقعية لحل الدولتين." لافتا الى انه على الاراض الواقع الديمغرافي والجغرافي في القدس بالغ الصعوبة، الاستيطان في الضفة الغربية والقدس انهى كل شيء اسمه حل الدولتين لا سيما في منطقةB1 .

وأردف قائلا:" نحن نتحدث عن ظرف احتلال ميداني على الارض واقع سياسي واقتصادي واجتماعي، ومؤامرات إقليمية ودولية ،صفقة قرن وخطة ضم حكومة ومجتمع يميل نحو اليمين المتطرف كلها عوامل ادت الى حالة احباط قد يسبق العاصفة وبذلك فرص اندلاع  انتفاضة ثالثة ربما تتوقف فقط على مسألة واحدة وهي ان يرى المواطن الفلسطيني ان هناك قيادة جديدة بان ينتفض من أجل الوطن ومن أجلها وفي حال وصل إلى هدفه لا يمكن ان يتم بدون مصالحة وطنية وانتخابات وانهاء للانقسام وبالتالي هناك فجوة بين القيادة والشارع حتى اللحظة لم تردم هذه الفجوة.

وأوضح الدجني أنها بحاجة الى مصالحة واعادة الاعتبار للمواطن الفلسطيني واشراكه في صنع القرار حينها فرص اندلاع الانتفاضة وستكون على وزن ليس انتفاضة الاقصى ربما انتفاضة 87 بشكل اكبر لان هناك توافق في القيادة الوطنية الموحدة في مؤتمر الامناء العامون على انتفاضة شعبية بكل ما تعنيه الكلمة.

الظروف جميعها مهيأة للانفجار

بدوره أكد المحلل السياسي جهاد حرب أن الظروف الرئيسية تمثلت في فشل العملية السياسية بمعنى عدم الانتقال من المرحلة الانتقالية المنصوص عليه باتفاق اوسلو الى انهاء الاحتلال الاسرائيلي واقامة الدولة الفلسطينية بمعنى اخر انسداد الافق السياسي امام الفلسطينيين.

وأضاف في حديث لـ "النجاح الاخباري"، أن حجم الضغوط التي فرضت على القيادة الفلسطينية بعد عودتها من كامب ديفيد، والاوضاع الاقتصادية الصعبة التي كان يمر بها الشعب الفلسطيني في العام 2000 كلها مجتمعة هيأت لاندلاع انتفاضة الاقصى 2000.

وتابع: "اما السبب المباشر فهو اقتحام زعيم المعارضة انذاك ارئيل شارون للمسجد الاقصى مما أثار الغضب امام الفلسطينيين بأن هناك تحولا من قبل حكومة الاحتلال بالسماح للاقتحامات السياسية للأقصى مما يشير الى محاولة لاستكمال اجراءات الاحتلال لتهويد مدينة القدس، علاوة على الحفريات التي بدأت تتكشف في ذلك العام تحت المسجد الاقصى".

وبالنسبة احتمالية اندلاع انتفاضة جديدة، يرى المحلل السياسي حرب:" بأن الظروف متشابهة الى حد ما فهناك غياب في افق  العملية السياسية بإنهاء الاحتلال الاسرائيلي ، كذلك ضغوطات كبيرة من قبل الولايات المتحدة، وازدياد الاجراءات الاستيطانية الاسرائيلية لتهويد مدينة القدس بالاضافة الى الاوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الفلسطينيون سواء في قطاع غزة او الضفة وسياسة الاعتقالات وهدم البيوت. كل ذلك يضع ظروف مهيأة لانتفاضة او مواجهة مع الاحتلال لكن لا  يستطيع احد التكهن متى ستكون هذه المواجهة الواسعة مع الاحتلال."

وأردف قائلا: "الظروف جميعها مهيأة للانفجار فكلما زادت اجراءات الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني وغاب الافق والامل لدى الفلسطينيين بأن الاحتلال سيزول كلما اقتربت ساعة انفجار المواجهة الواسعة مع الاحتلال الاسرائيلي."

يذكر أن انتفاضة الاقصى توقفت في الثامن من فبراير/شباط 2005 بعد اتفاق هدنة بين "الإسرائيليين" والفلسطينيين في قمة "شرم الشيخ"، إلا أن مراقبين يرون أن الانتفاضة الثانية لم تنته لعدم توصل الفلسطينيين والإسرائيليين إلى أي حل سياسي ولاستمرار المواجهات بمدن الضفة.