غزة - رهيفا الرواغ - النجاح الإخباري - في قطاع غزَّة المأزوم، لا متنفّس للكبار والصغار سوى متنزهات يلجأ إليها الكبار والصغار، يجلسون فيها ساعات طويلة، في ظّل الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي يجدون فيها بعض راحتهم.


متنزهات قطاع غزَّة رغم افتقارها للمرافق المريحة والمساحات الخضراء الواسعة إلا أنَّها تبقى الوجهة الأسهل للترفيه والترويح عن النفس.
ولإنَّ تكلفتها رمزيّة لا تكاد تذكر يقصدها المواطنيون بعد أعباء يوم منهك، وكذلك الطلاب بعد الدوام هربًا من الفقر والفوضى التي تعم البيوت، يستمتعون بالأراجيح على قلتها.
 في بعض من متنزهات شمال القطاع ومينائها، رصد "النجاح" أجواء مختلفة من المتعة والفرح رغم ضيق الحال الذي يشكو منه أغلبية المجتمع الغزي مع استمرار الحصار وتزايد معدلات الفقر والبطالة بشكل غير مسبوق.


المواطنة مي صلاح (32عامًا) دفعتها أمومتها لاصطحاب أطفالها بعد يوم دراسي طويل ومتعب، فهربوا إلى متنزّه قريب، لم يؤرقها ضيق الحال فالتكلفة لا تكاد تذكر،قالت: "لقد أصبحت الحديقة أكثر أمنًا خاصة بوجود الألعاب التي تروق للأطفال كالأراجيح وعامود الإنارة وغيرها، على الأقل هي محفّز لتغيير الجو النفسي".
 الملاهي و الأماكن الترفيهية المفتوحة كـ "مدينة النور" أو مدينة "أصداء" أو حتى شاطئ البحر، هي أماكن تحتاج نفقات عالية نوعًا ما قياسًا بامكانيات الغزيين المتواضع.
 تُبين مي صلاح أنَّها لا تحتاج سوى بعض المسليات والساندويشات التي تعدها في المنزل، وتيرموس شاي، لتدخل البهجة والسرور في نفوس أطفالها، تضيف:"أمضى أولادي وقتًا ممتعًا، مثل هذه المتنزّهات لا تُرهق ميزانيتي لأنَّها غير مكلفة.


 يشاركها الرأي (رأفت .ن) الذي يقضي برفقة أسرته أوقاتاً سعيدة مجتمعين حول القليل من التسالي والمُقبلات، يقول: "الظروف صعبة ولا تسمح ليّ بالذهاب إلى مكان يتطلب تكلفة مالية عالية"، مؤكّداً على أنَّ ذهابه لهذه الأماكن العامَّة والمجانية يؤدي الغرض دون أي تكلفة ترهق جيبه الفارغ أصلاً بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية.


في ميناء غزَّة البحري كانت الأجواء أكثر متعةً والفضل يعود للبحر والصيادين الذين يغدون ويجيئون عبر المياه يُخرجون منها سمكًا يسر الناظرين، تقول هبه (طالبة جامعية) أنَّها تجد متعتها في الوصول إلى الميناء بعد ساعات الدوام الدراسي، وتُضيف أنَّ التنزه في الميناء لا يُكلّف شيئًا بعكس الأماكن الترفيهية والمنتجعات الموجودة في قطاع غزَّة، ولا يُضيرها إن أتت ببعض المسليات لها ولمن يُرافقها من الصديقات أو حتى العائلة فثمنه مقارنة بما يتوجب عليها طلبه في مكان آخر لا يُذكر أبدًا، خاصة أنَّ الدخول مجاني.


 الشاب وسيم فراس لا يختلف معها و يؤكَّد أنَّ المنتزهات والحدائق العامة وسيلة ترفيهية رخيصة وغير مكلفة للمواطنين، وتتناسب مع ظروفهم المعيشية الصعبة، يقول :"في ظلِّ افتقار الكثير من العمال والخريجين لفرص العمل وانعدام قدرتهم الاقتصادية لارتياد المنتجعات الكبيرة والأماكن الترفيهية باهظة الثمن، فإنَّ الفرصة تكون أكبر للتنزه في الحدائق والمنتزهات العامَّة.


 ويُتابع أنَّ الأطفال بإمكانهم الاستمتاع باللهو على المراجيح وغيرها مجانًا بالإضافة إلى استمتاعهم باللعب وتنفس الهواء الطلق بعيدًا عن عتمة البيوت التي تنقطع عنها الكهرباء يوميًا أكثر من ثماني ساعات.


وأكَّد المواطنون أنَّ تكلفة زيارة هذه الأماكن لا تتعدى العشرين شيقلًا في أحسن الأحوال، كل مايحتاجونه بعض الفشار  والذرة والقهوة والشاي يعدونها في منازلهم  إضافة للشاي وبعض البسكويت أو سندويتشات خفيفة كالزعتر أو الجبنة، يقول وسيم فراس: "التكاليف بسيطة ولكن السعادة والرضا كبيرة أراها على ملامح أطفالي وزوجتي"
أمّا محمد قاسم أحد أصحاب المنازل المدمَّرة في الحرب الأخيرة على قطاع غزَّة، يهرب يومياً برفقة أطفاله الصغار من الواقع المرير فتقوده قدماه  نحو ساحة "الجندي المجهول" ليبتعد عن ضوضاء الغرف المكتظة، وليتناسى بعض همّه في منزله المدّمر، يقول: "أهرب من مشاكلي وهمومي لأرفه عن نفسي وأولادي، فنذهب يوميًّا سيرًا على الأقدام، وصولًا إلى الجندي المجهول" ونقضي أغلب الوقت هناك، فبمجرد الوصول يركض أطفالي المكبوتين لقضاء وقت من اللعب والمرح.


 ويرى الأخصائي النفسي سعيد كمال أنّ توجه المواطنين في غزة للتنزه في المناطق العامّة "ظاهرة طبيعية"، يحاولون من خلالها الخروج من حالة الكبت والإحباط والاحتقان المفروض عليهم بفعل الظروف الصعبة التي يمرون بها، مشيراً إلى أهمية وجود مؤسسات تقدّم خدمات الدعم النفسي في تلك المناطق للتخفيف من هموم المواطنين.
 منوّها إلى أنّ قطاع غزَّة يعيش ظروفاً استثنائية صعبة جعلت المواطن يعيش في حالة نفسية معقدة، دفعته للبحث عن مخارج مناسبة للظروف المادية والنفسية للتخفيف من حالة الكبت التي يعيشها و تابع أنَّه و بسبب محدودية المتنزهات واشتداد الحصار يتَّجه الناس إلى الأماكن العامة وشاطئ البحر والمساحات الخضراء للخروج من الأجواء التي خلَّفتها الحروب داخل قلوب الغزيين وخاصة الأطفال منهم.