عبد الله عبيد - النجاح الإخباري - في كل عام يتجدد الحديث عن ملف تسريب العقارات في المدينة المقدسة، والتي تكشف عن قدم الجريمة وعمقها بحق قداسة هذه المدينة العتيقة وهوية الفلسطينيين هناك في العاصمة الأبدية لفلسطين، والتي تحاول حكومة الاحتلال الاستيلاء على كل شبر من أراضيها ضاربة بعرض الحائط كل الاتفاقيات والقوانين والشرائع الدولية، خصوصاً بعدما قدم رئيس الولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب هذه الهدية لـ"إسرائيل" على طبق من ذهب كعاصمة أبدية لليهود.

وتتعالى الأصوات في مدينة القدس محذرة  من ظاهرة سماسرة بيع العقارات الفلسطينية في المدينة والتي انتشرت واتسعت في الآونة الأخيرة، حيث يقومون بشراء العقارات الفلسطينية، وخاصة المهددة بالمصادرة، وبيعها للمستوطنين بالمدينة.

المقدسي أبو إياد أبو سنينة الذي يقطن في بلدة سلوان عند جهة باب المغاربة في مدينة القدس، أوضح أن اليهود يستخدمون طرق ملتوية كثيرة من أجل الاستيلاء على بيوت وملكيات وعقاقير المقدسيين في مدينة القدس.

وقال أبو اسنينة خلال اتصال هاتفي مع مراسل "النجاح": إن تسريب العقارات في القدس عبارة عن خطة ممنهجة، تقوم بها أيدي خفية بمساعدة المستوطنين على شراء المنزل أو الأرض من المواطن الفلسطيني في القدس".

وأضاف أن هناك من بعض العائلات التي هاجرت من القدس ونزحت منها عام 1967 إلى خارج البلاد، وبقي بعض من أقاربهم في القدس، حيث يقوم المستوطنين بإغراء من هم خارج البلاد وبعد أن يتفقوا معهم على عملية البيع والشراء يستغرب من هم داخل المدينة من أقاربهم بأن للمستوطنين حق في منازلهم، وعلى هذا الأساس تتم عملية الشراء والبيع".

وأشار أبو اسنينة إلى أن اليهود قد تملكوا أغلب المدينة المقدسة، فبلدة سلوان حصلوا على أكثر من نصفها، وهكذا البلدة القديمة، منوهاً في الوقت ذاته إلى أن هناك مقدسيين يساعدون المستوطنين في تلك العملية بعد إغرائهم بالمال، مضيفا "إلي ما عنده دين بيبيع أهله ودينه وشرفه"، حسب وصفه.

ومما يتضح خلال الحديث مع المقدسيين أو من يعايش هذه الحالات من التسريب العقاري، يجد أن ظاهرة التستر على الجناة المسرّبين، أقوى وأخطر من ظاهرة التسريب نفسها.

قضية خطيرة

في ذات الإطار، أكد الخبير بشؤون القدس، د. حسن خاطر الأمين العام للهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات، أن ملف تسريب العقارات للمستوطنين اليهود في القدس منتشر بشكل كبير وخطير، لافتاً إلى أن هذا الأمر بات فيه نوع من الاحترافية.

وقال خاطر لـ"النجاح" هناك من ينظر إلى القدس على أنها شكل من أشكال الاستثمار وهذه قمة الهزيمة والمعاناة التي تعاني منها المدينة المقدسة، ربما هذه من أكثر الضربات التي تواجه المدينة المقدسة، بأن يصبح هناك فريق يتعامل مع القدس على أنها للثراء والتجارة".

وأضاف أن العمل لم يصبح عمل سماسرة منفردين بل واضح أنه أصبح عملاً جماعياً ويتقاطع الآن على عدة مستويات"، مبيّناَ أنه لم يعد خاص بالسماسرة المتخفين والمجهولين والذين يعملون في الليل، بل أصبح هناك نوع من الجرأة غير مسبوقة بالتعامل مع هذه العقارات التي فيها وقاحة وعدم اكتراث لمشاعر المقدسيين وللفلسطينيين أجمع".

وتابع د. خاطر إن الاحتلال الإسرائيلي والصندوق القومي اليهودي والحركة الصهيونية تمنوا قبل عام 1948 أن يجدوا طريقة للتعامل مع الشعب الفلسطيني بالمال، وتمنوا أن يدخل سلاح المال لهذه المعركة لان هذا سلاحهم يملكوه وكانوا يظنوا أنهم بالمال بإمكانهم تحقيق مالم يحققوه بالوسائل الأخرى، وهذا الموضوع لم ينجحوا فيه على مدار عقود طويلة من الزمن، مستدركاً "لكن الخوف الآن أن هناك إعادة ترتيب أوراق اللعبة ليكون المال هو العنصر الرئيسي في هذا الموضوع خصوصاً في القدس والمناطق الحساسة"، على حد قوله.

حالة ثوران

وأشار إلى أن هناك نوع من القلق والخوف وحالة ثوران داخل المدينة المقدسة جراء هذا التطور الخطير لأن كل العقارات والأراضي وما تبقى منها في خطر، منوهاً في الوقت ذاته إلى أنه لم يتبق للمقدسيين في القدس سوى 8% فقط وهذا ما يمتلكه المقدسيين في المدينة المقدسة.

واستذكر الخبير المقدسي قبل سنوات تم تسريب 21 منزل في بلدة سلوان للمستوطنين وتم تحويل أموالها من دولة الإمارات العربية، على أنه سيتم وقفها وقفاً إسلاميا وتم البيع على هذا الأساس من قبل المقدسيين ولكنهم تفاجئوا بعد أسبوع بأن الذين جاؤوا يسكنون فيها هم المستوطنين، مؤكداً ان هناك عمليات احتيال تُمارس على المقدسيين وهناك من يتربص بهذه البيوت والعقارات.

وشدد على أن الأمر بحاجة إلى استنفار كامل ونداء للأخوة في القدس من أجل التشبث بملكياتهم وعقاراتهم وأراضيهم في القدس.

رأي الشرع

بدوره، حذّر المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية، الشيخ محمد حسين خطيب المسجد الأقصى، من عملية تسريب عقارات وأراضي المدينة المقدسة، داعياً المقدسيين إلى ضرورة المحافظة على القدس بكل شبر فيها، والتمسك بعقارهم وأرضهم وبيتهم.

وذكر الشيخ حسين في حديث خاص لـ"النجاح" أن أبناء القدس ملتفون حول مقدساتهم ومدينتهم ويدركون الأخطار المحدقة بهذه المدينة، مستدركاً "لكن مع الأسف الشديد هناك بعض السماسرة والمأجورين أو المرتزقة أو الخارجين عن الصف يتعاونون مع جهات بالخارج وجهات إسرائيلية من أجل تسريب بعض عقارات ومنازل وأراضي المقدسيين".

وبيّن أن الدين الإسلامي والفتاوى حرّمت بيع العقارات والأراضي للأعداء، تحريما تاماً مؤكداً أن كل من يحاول تسهيل تسريب العقارات للمستوطنين فهو خارج عن الصف الديني والوطني، وخائن لأمانة الدين والوطن ولا يدفن في مقابر المسلمين إذا مات ولا يغسل ولا يكفن من قبل المسلمين ولا يلتفت به أحد، وإذا علم به إذا كان حي فإنهم يقاطعونه ولا يتعاملون معه.

وطالبت القوى الوطنية والاسلامية السلطة الفلسطينية بملاحقة ومحاسبة جميع المتورطين في بيع عقار "آل جودة" في القدس وجميع العقارات التي تم تسريبها لجهات استيطانية اسرائيلية في الاونة الاخيرة.

وجاء فيالبيان اليوم الخميس " نطالب السلطة واجهزتها بمحاسبة المتورطين استناد الى تعديل الرئيس محمود عباس على قانون العقوبات الاردني رقم 16 لسنة 1960، بفرض الاشغال الشاقة المؤبدة على كل من يقوم بتسريب او تأجير او بيع الاراضي لدولة معادية او احد رعاياها".

وطالب البيان السلطة الفلسطينية أتخاذ كافة التدابير والاجراءات التي تمكنها من متابعة وملاحقة كافة من وصفتهم بالسماسرة والعملاء الذين يعملون على تسريب العقارات والاراضي من خلال تزوير اوراق الملكية او تحديد املاك الغائبين عبر محامين ومهندسين ورجال اعمال وسماسرة يتجندون لهذه المهمات.