مصطفى الدحدوح - النجاح الإخباري - "هل يُهجر حيٌّ يعج بالذهب والمجوهرات؟!"، بهذه العبارة وصف الصائغ محمد كحيل الواقع الذي يمرُّ به سوق الذهب والصاغة في مدينة الذي يمتاز بعراقة تاريخية وإرث حضاري طويل يمتد آلاف السنين.

وحول طبيعة المشهد القائم أوضح الصائغ كحيل لموقع "النجاح الإخباري": "العمل الراهن قائم على عرض الذهب على الصاغة بدافع بيعه في ظلِّ انعدام الحركة الشرائية في الأسواق، لافتاً إلى أنَّ سوق الصاغة يشهد حالة من الشلل الكلي في مقوماته وأركانه كافّة لقّلة مرتاديه، حيث يعاني منذ عام ويزيد من فترة قحط شديد في الزبائن".

وقال كحيل منذ أكثر من عامين كانت تمر علينا الأيام لا نبيع صاغة واحدة ولكن اليوم بات الأمر أكثر سواء حيث يمر يومان وثلاثة دون بيع شيء، مما جعل السوق الذي يتزين بالحُلي والمجوهرات الذهبية اللامعة يبدو كئيبًا و بحالة ركود وانهيار لم يشهدها منذ عقود.

ولفت إلى أنَّ أسعار الذهب شهدت العام الحالي استقرارًا نسبيًّا مقارنة بالأعوام السابقة، مما جعل الحديث عن ارتفاع الأسعار هو السبب في الحالة المميتة التي نشهدها حاليًّا.

وتابع: "اليوم وفق الأوضاع الراهنة أصبحنا نحرص على جلب وصناعة أنواع من الذهب بعيار خفيف ليتناسب مع أوضاع المواطنين، بعد أن كان سوق غزّة يقتني أنواعًا عريقة من الذهب، أصبحت ن الماضي الماضي لارتفاع أسعارها، أساور وأطواق ذهبيّة بتصاميم باهرة ومواصفات عاليّة اختفت عن الأنظار، فلا مال في اليد لاقتنائها".

أما الصائغ الحاج أبو أحمد الصباغ فعبّر بلهجة حزينة عن الواقع الذي يمر به الصاغة، قائلًا منذ أربعين عامًا لم نر أسوأ من هذا العام، حيث إنَّ الكثير من الصاغة مهددون بإغلاق محلاتهم نتيجة الخسائر و تراكم الديون، وذلك لكون الأزمة لا تقتصر على فرد بل تهدّد حرفة تعتبر إرثًا تاريخيًّا فلسطينيًّا، والمكان الذي كان يستقطب الأجانب من أنحاء العالم كافّة (سوق الذهب)، هل يعقل أن يصبح مهجوراً؟.

وأضاف الحاج أبو أحمد: "قبل عشرة أعوام كانت مهنة الصاغة مهنة لها احترامها ووزنها، ويعدُّ الصائغ ذو مكانة اجتماعية وتجارية، ولكن مع الانقسام السياسي وتردي الأوضاع الاقتصادية أصبح هدف الصاغة الوحيد اليوم أن يوفروا لقمة العيش، ومنهم من تثقله الديون، وذلك لندرة البيع التي أصبحت سمة عامة تسود أسواق الذهب كافّة، في مختلف المحافظات".

ونوَّه الحاج أبو أحمد وكحيل إلى البديل الذي اضطروا له في ظلِّ كلِّ ما سبق وهو الذهب الصيني لرخص سعره مقارنة بالذهب الطبيعي وقلّة جودته، لكنّه يسد حاجة الأفراد للفرح، ولا يسد حاجتنا للعيش والربح.

ولفتا إلى أنَّ العائد الربحي من الذهب الصيني لا يسد أجار المحلات ولا أدنى من ذلك ولا أكثر، لكن قليل نافع خير من العدم.

من جانب آخر، أكَّد الصائغ محمد كحيل على أنَّ مصانع الذهب في قطاع غزّة متوقفة منذ عدّة أشهر وقليلًا ما تعمل، مما يجعل مهنة صناعة الذهب في القطاع مهدَّدة أيضًا بالخطر، الأمر الذي يزيد من صعوبة الوضع.

وأعرب تجار الذهب عن أملهم في فك الحصار عن قطاع غزَّة، وتسهيل حركتهم عبر المعابر، ليتمكنوا من السفر لدول الخارج الذي مُنعوا منها لقضاء حوائجهم وتسيير أمورهم، والعمل على تصريف بضائعهم للخارج.

 وحذَّرت نقابة الصاغة والمجوهرات مؤخّرًا، من تداعيات وخيمة لما يحدث من تضييق على قطاع المعادن الثمينة الذي يعدُّ من أهم روافد الاقتصاد الوطني ويعاني شللًا تامًا في حركته؛ إثر الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزّة والانقسام الفلسطيني، الذي حلّ بكوارثه على قطاع الاقتصاد المتهالك بعمومه.

الجدير ذكره، أنَّ تضرُّر هذا القطاع هو أحد القطاعات الأخرى التي تأثَّرت سلبًّا بالانقسام الداخلي، ورفض حركة حماس الاستجابة لتنفيذ اتفاقات المصالحة التي وقّعت مؤخّرًا في أكتوبر (2017) في القاهرة برعاية مصرية، القاضية بتمكين حكومة الوفاق الوطني للقيام بدورها في قطاع غزّة كما في الضفة الغربية.