احمد الشنباري - النجاح الإخباري - عليكَ أنْ تتخيّل خمسة آلاف مواطن يقطنون على أرض حكوميّة منذ زمن ليس بالبعيد، فمجرد التفكير في مستقبل الرحيل الذي يُراودهم تجعل من حياتهم (مجرّد العيش اليوم والموت غدًا)، هذا هو حال المواطنين في "عزبة بيت حانون"، والتي تقع إلى الغرب من المدينة شمال القطاع، فبيوت من صفيح لمواطنين فقراء، وأخرى من اسمنت تجرّأ صاحبها على البناء، وفي الحالتيْن أسرار وحكايات تقشعرّ لها الأبدان، فالوضع الاقتصادي لمَن يسكن في تلك المنطقة وضعٌ لا يُحسد عليه.

فصورة المواطنين في شوارع "العزبة" أشبه بلوحة نشاهدها، لكنّهم لا يجلسون لتمثيل مشهد تراجيدي، بل هو واقع تعيشه الأسر، بساطة الحياة جعلتْ مراسلنا يتطرّق إلى ظروف "العزبة" وما تخبّئ من أسرار.

اصطدمتُ بالمواطن "محمد نجم" ليقول: بحجّة الأرض الحكومية نُعاني الأمريْن، فمِنَ الاحتلال هُدِمَتْ بيوتنا ومن القريب نُمنَعُ من الإعمار. ويُضيف "لدي أبناء وبنات مرضى بالقلب، وآخرون بالكهرباء الزائدة، أعيش على الشؤون الاجتماعية، التي لا يُطلّ خيرها عليْنا إلا مرّة كلّ ثلاثة شهور، ولا يوجد مصدر رزق لدي ولا لأبنائي."

ويردف " نحن محرومون من الحياة بمعنى الكلمة، نعيش شبه حياة." مطالبًا القلوب الرحيمة بضرورة النظر في حياتهم وشؤونهم لكي يعمّ الخير على المنطقة.

أمّا المواطن "عيد العزازمة" يقول بعد أنْ لوّح بيديْه "وين نذهب وين نروح؟ أرض حكوميّة وبنعيش فيها من أيام الحكومات المصرية." مطالبًا بضرورة البناء لهم.

مضيفًا " كما ترى هذه حياتنا، بيتٌ لا يصلح للسكن، ومطبخ فارغ من الطعام، ونعيش على كابونات الوكالة فقط، ومن أين سنعيش بعد ذلك؟"

وبيْن الوضع الاقتصادي الذي يلتفّ على رقابهم كحبل مشنقة، تبقى قضيّة إعمار منازلهم التي دمّرها الاحتلال عالقة وممنوعة، وكأنّ الحرب ما زالتْ تمرّ أمام عيونهم كشريط مصوّر، ففي ذاك البيت قضوا أجمل الأوقات، فهل مِنْ عوْدة لِمَنْ هُدِم بيْته؟ هو سؤالُ مَنْ يضع كفيْه على وجهه منتظرًا ساعة السماح بالإعمار.

المواطن "رزق سحويل" أحد الممنوعين من الإعمار يقول: كغيرنا من أهالي قطاع غزة تعرّضنا لحرب عام (2014)، تشرّدنا وهربنا بصغارنا وكبارنا، وبعد أنْ عدنا، وجدنا المنزل مدمّرًا.

ويشير سحويل "من المستحيل القيام بشراء أرضٍ للبناء عليها، وذلك بسبب الوضع الاقتصادي الراهن."

ولم تكتفي "العزبة" بواقع رجالها الفاقد للأمل والعمل، لكن نساءها هنّ الأكثر إصابة بالأمراض النفسية، على غرار واقع رجالهنّ المعيشي الصعب، فالأمراض النفسية أصبحت تلاحقهن بكثرة، وهذا ما تؤكده لنا الأخصائية "إسلام المصري" التي تعمل ضمن إحدى مشاريع الدعم النفسي التي تستهدف "العزبة"، حيث قالت: إنّ النساء اللواتي يعشْنَ في هذه المنطقة أكثر تأثرًا بالأمراض النفسية، فالاكتئاب والوسواس والانطواء والعزلة أبرز الأمراض النفسية التي تُعاني منها النسوة في "عزبة بيت حانون".

وذكرت الأخصائية أنّ تدهور الأوضاع الاقتصادية في المنطقة أحد أبرز الأسباب التي جعلتهنّ يُعانين من هذه الأمراض، فأغلب الحالات هي من الأسر الفقيرة جدًا، بالإضافة إلى أنّ الجهل والزواج المبكر تُعدّ من ضمن الأسباب أيضًا.

وتُشير "المصري" إلى أنّ الأبناء أصبحوا ضحية الواقع الصعب، وهم أيضًا يحتاجون إلى دعم نفسي واجتماعي قد يُقلّل من وقوعهم في خطر الأمراض النفسيّة.