النجاح الإخباري -  يسرح نازح فلسطيني استقر به المقام منذ أشهر في منطقة تتوسط خان يونس ورفح في جنوب قطاع غزة في طوفان الخيام التي تملأ الأرض أيّما وليت ناظريك، ويتساءل كم من الوقت قد تحتاج إسرائيل المتمسكة باقتحام رفح رغم عاصفة الرفض الدولي لإخلاء نحو مليون ونصف المليون فلسطيني بحثوا فيها عن ملاذ منذ بدء الحرب الحالية في القطاع قبل نحو ستة أشهر.

يقيسها أحمد علم الدين، مدرس العلوم البالغ من العمر 44 عاما، بحسابات تتداخل فيها الكثافة السكانية الهائلة مع تهالك حال المركبات في القطاع وتجريف الطرق وسوء وضعها ليقول إن الأمر سيحتاج لأسبوعين على الأقل قبل أن تنجح إسرائيل في نقل ما يكفي من سكان رفح إلى مناطق خارجه وتتفرغ لمواجهة يعتقد رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو أنها ستمنحه النصر على حركة حماس.

يقول الرجل إنه مستعد للخروج بعائلته التي يتجاوز عددها أفرادها الثلاثين من المنطقة الحدودية والعودة من حيث أتوا في خان يونس التي ما فتئت إسرائيل تعود إلى أحيائها المدمرة لقتال مسلحين ينصبون لجنودها الكمائن أو للبحث عن أسراها الذين يتبقى منهم في حوزة الفصائل الفلسطينية ما لا يقل عن 100.

يعتقد نتنياهو، الذي يقول خصومه إنه يتعمد إطالة أمد الحرب الحالية التي اندلعت مع حماس في السابع من أكتوبر تشرين الأول لإنقاذ مستقبله السياسي، إنه نجح في صد الضغوط الدولية عامة، والأميركية منها بشكل خاص في ظل نداءات عالمية وإقليمية تريد أن تثنيه عن دخول رفح خوفا من حدوث كارثة.

لو صح تقدير علم الدين، فإن أمام الفلسطينيين المتكدسين في رفح نحو أسبوعين للخروج. لكن إسرائيل لم تبلغ أحدا حتى الآن إلى أين قد تدفع كل هؤلاء لإفساح المجال لجنودها للتقدم.

يعتقد شرطي فلسطيني في خان يونس أن عودة القوات الإسرائيلية إلى أحياء بعينها في المحافظة التي تجاور رفح من ناحية الشمال تهدف بالأساس لتمهيد الأرض لهؤلاء للنزوح فور انتهائها من المهمة الحالية.

وأضاف الشرطي الذي طلب عدم ذكر اسمه متحدثا لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) عبر الهاتف من خان يونس "الضهرة هي أقرب المناطق التي قد ينقل إليها الجيش الإسرائيلي الناس من رفح. يعملون الآن على تسويتها وإزالة بعض الركام ليتمكن النازحون من نصب خيامهم فيها".

والضهرة منطقة عرفت بكثافتها السكانية العالية في غرب خان يونس قرب شارع البحر. هي اليوم خالية من السكان، لكنها كانت موطن عشرات الآلاف من الفلسطينيين قبل السابع من أكتوبر تشرين الأول.

يضيف الشرطي الفلسطيني إلى الضهرة حي الأمل، الذي أشبعه الجيش الإسرائيلي قصفا منذ بدء عمليته في خان يونس في نهاية نوفمبر تشرين الثاني الماضي لدى انهيار أيام الهدن السبعة في القطاع.

وهناك أيضا، يقول الشرطي، مناطق شرق خان يونس، وهي مناطق شبه صحراوية لم يكن بها الكثير من البيوت. ويقول "لن تكون مهمتهم صعبة في إعادة تمهيد الأرض لنصب الخيام بالنظر لقلة عدد المنازل المدمرة فيها".

يقول علم الدين إن سكان قطاع غزة بعد نحو ستة أشهر من الحرب لن ينزحوا هذه المرة خالي الوفاض، فالناس أمضت أشهر الحرب الستة في تخزين بعض المواد التموينية والأغطية والملابس التي تعينها على تحمل حرب لا تبدو نهايتها قريبة.

ويضيف "لما خرجت من خان يونس أول مرة، خرجت بملابسي إللي كنت أرتديها.. حتى حذائي تمزق وتحملته أسابيع. الآن نملك بعض الملابس التي حصلنا عليها من المساعدات التي وصلت رفح وخان يونس، ولدينا أيضا بعض الأغطية والمفارش وما إلى ذلك".

ستحمل سيارة الرجل هذه المرة الكثير خلاف ما حدث في نزوحه الأول حين حملته السيارة مع زوجته وأبنائه الثلاثة فقط.

ولو أن كل نازح تحسّب لما هو آت وحمل معه ما يعتقد أنه قد يقيه مجهولا ينتظره، فقد يعني هذا أن طرق رفح المدمرة أمام اختبار لم يعرفه الفلسطينيون الذين اعتادوا النزوح منذ عام 1948.

* التمهيد بالقصف

يقول خبير أمني أردني أن حملة نتنياهو على رفح قد بدأت بالفعل مع تكثيف القصف على المحافظة الواقعة في أقصى جنوب القطاع خلال اليومين الماضيين.

وأبلغ محمد القاسم الحمد مستشار السياسات والدراسات الأمنية في عمّان وكالة أنباء العالم العربي (AWP) في رسالة نصية "لقد بدأ بقصف رفح وبعمليات التدمير الممنهجة التي يمارسها الجيش الإسرائيلي ضد مدينة رفح دون الاكتراث بالتحذيرات الدولية أو بخطوط الرئيس (الأميركي جو) بايدن الحمراء. لقد أعلن مكتب نتنياهو المصادقة على خطط العملية في رفح والجيش يستعد لها منذ فترة قريبة".

لكن الرجل يضيف عاملا آخر لمعادلة رفح، ويقول إن "الأمر يعتمد على نتنياهو ومدي قدرته على تحمل ضغط الداخل الإسرائيلي أو قدرته على تحدي الرئيس بايدن".

يشير الحمد إلى احتجاجات يومية في الشارع الإسرائيلي للمطالبة بقبول صفقة تبادل أسرى مع حماس تتوسط فيها مصر وقطر منذ أشهر دون جدوى حتى الآن. ويشير أيضا إلى جهر الإدارة الأميركية برفض دخول الجيش الإسرائيلي لرفح وحديث وزير خارجيتها أنتوني بلينكن عن مناقشة "بدائل" مع المسؤولين الإسرائيليين.

ويقول الحمد أيضا "هناك أيضا مدى استعداد نتنياهو لتحمل عزلة إسرائيل دوليا".

لكن علم الدين ومئات الآلاف غيره من النازحين في قطاع غزة يعتصرهم القلق خشية تكرار ما حدث في الشمال حين اجتاح الجيش الإسرائيلي مستشفى الشفاء ودفع الآلاف للفرار على شاطئ البحر. وتحدثت وسائل إعلام بعضها إسرائيلي عن استهداف النازحين في الطرق التي سلكوها واستشهاد المئات.

يقول الحمد إن الجيش الإسرائيلي قد يحتاج لأكثر من أسبوعين لإخلاء رفح من مليون ونصف المليون إنسان.

ويضيف "عمليا إخلاء 1.5 مليون إنسان محصورين في رقعة جغرافية محدودة عملية بالغة الصعوبة وتحتاج لوقت أطول.. أطول بكثير من أسبوعين. ناهيك عن أن انتقال هذه الكثافة السكانية إلى أي مكان آخر يعني تجهيزات للبنية التحتية وهو غير متوفر ضمن حدود غزة حاليا".

* "علامة الاستفهام الكبرى"

لكن سياسيا لبنانيا يقول إن نتنياهو وحكومته التي يصفها بالمتطرفة "أصبحت أكثر شراسة من أجل خوض هذه المعركة تحديا لكل من لا يجاريهم في مسار هذه الحرب".

وقال السياسي الذي تحدث لوكالة أنباء العالم العربي عبر رسائل نصية من بيروت "اليوم عدم خوض هذه المعركة قد يعتبر تراجعا إسرائيليا أمام الضغط الأميركي والضغط الدولي ونكسة بين قوسين لمشروعهم. بالتالي هذا ما يعزز إمكانية دخولهم في معركة من هذا النوع".

يضيف الرجل الذي طلب عدم ذكر اسمه "يبقى التوقيت هو علامة الاستفهام الكبرى. قد تكون هذه الأمور سريعة، لكنهم يعرفون أن تداعياتها لن تكون سهلة أو سيكون عامل الوقت وينتظرون مع الوقت ما الذي سيتبدل في المشهد".

وتحاول الولايات المتحدة منذ أسابيع إثناء إسرائيل عن دخول رفح برا. وهذا الأسبوع وللمرة الأولى منذ اندلاع الحرب، لم تستخدم واشنطن حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن لتمرر قرارا يطالب بوقف الحرب في غزة خلال رمضان.

وتقول صحف أميركية أن المسؤولين في واشنطن يخشون أن تتحول العملية إلى "مجزرة" من شأنها زيادة الغضب الدولي من الحرب.

غير أن الباحث السياسي الأردني ياسر قطيشات لا يعتقد أن الإسرائيليين يهتمون حقا بأمر السكان أو المساحة الجغرافية، لكنه يشير إلى طرح آخر قد يثني نتنياهو عن إعطاء شرارة البدء في العملية.

وأبلغ قطيشات وكالة أنباء العالم العربي في رسالة بالبريد الإلكتروني من عمّان "دخول رفح يعني أن الحرب ستنتهي، ولن يكون هناك أي مبررات لاستمرارها. فنتنياهو يعلق قرار وقف الحرب على دخول رفح التي يعتبرها آخر معقل لحماس وموقع قيادة حماس".

وقال "النقطة الثانية أن الأسرى المحتجزين لدى حماس محتجزون الآن في رفح. هذا هو التصور أو هذا هي الرواية التي يروج لها الاحتلال. كلما طال أمد الحرب النفسية التي يخوضها فيما يتعلق بدخول رفح، كلما زاد أمد الحرب وهذا هو ما تبحث عنه إدارة نتنياهو".