نابلس - النجاح الإخباري - عقدت هيئة شؤون الأسرى والمحررين، ونادي الأسير الفلسطيني، اليوم الأحد، في مدينة رام الله، ندوة في الذكرى السنوية الثانية لعملية "نفق الحرية"، التي تمكن فيها ستة أسرى من انتزاع حريتهم من سجن "جلبوع".

وحضر الندوة عدد من أهالي الأسرى الستة، وأسرى محررون، وذوو معتقلين في سجون الاحتلال، ومجموعة من الشخصيات الوطنية والأكاديمية.

وقال رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين قدورة فارس، إن انتزاع الأسرى الستة حريتهم من سجن "جلبوع"، يمثل تجربة رائدة وفريدة واستثنائية، بل تصل إلى حد المعجزة بتفاصيلها وتعقيداتها، لا سيما أن الأسرى انتصروا فيها من حيث بعدها المجرد المتعلق بما وُصف به سجن "جلبوع" وما تم فيه، على مقومات أمنية غاية في التعقيد، فقد كان يوصف بـ"الخزنة" من شدة الإجراءات المحكمة المفروضة فيه لمنع أي محاولة فرار منه.

وذكر فارس أن هذه العملية كشفت زيف ادعاءات دولة الاحتلال وتشدقها بالقدرات العسكرية والاستخباراتية الخارقة، في محاولة لفرض سطوة وانتزاع حضور في المنطقة، وفي مسعى إلى إيصال الشعب الفلسطيني إلى قناعة بأنه غير قادر على نيل الحرية وتحقيق الاستقلال.

وأشار إلى أن "لعملية نفق الحرية أبعادا إيجابية عدة، فمن أراد من الفلسطينيين أن يشمخ ويرفع رأسه عاليا كان له ذلك، ومن أراد دراسة الأبعاد الإستراتيجية والعسكرية وجد فيها المعاني، ومن أراد البحث عن معاني الوحدة وجد فيها ذلك، والأبرز أنها فتحت المجال أمام الشعب الفلسطيني للنظر إلى القدرات الكامنة على التحرير".

وذكر فارس أن هذه الندوة عُقدت بمبادرة من لجنة الطوارئ الوطنية العليا في سجون الاحتلال، مشيرا إلى أن الأسرى يشكلون رأس حربة ويتقدمون على الجميع بأنهم استطاعوا تجسيد وحدتهم، في وقت تتداعى فيه حكومة الاحتلال ومجلسها المصغر إلى بحث مقترحات الوزير المتطرف إيتمار بن غفير وتوصياته بشأن تضييق الخناق على الحركة الأسيرة وفرض المزيد من العقوبات عليها. 

وتابع: "نحن نعلم أن المؤسستَين الأمنية والعسكرية في إسرائيل تدركان أن مقترحات بن غفير فارغة، ولن تجلب الأمن لإسرائيل، لكن خشيتنا أن نتنياهو الذي هو عرضة للابتزاز في قضايا فساد، قد يضطر ليسدد فاتورة استقرار هذا الائتلاف على حساب الأسرى".

من جانبه، قال عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح"، عميد الأسرى السابق كريم يونس، إن سلطات الاحتلال ما انفكت تحاول ترويض الأسرى بكل الوسائل الجسدية والنفسية، في مسعى إلى تثبيت حالة الاحتلال واستبعاد الحرية وضرورة التعامل مع ذلك والانصياع إليه.

وأضاف: "أرادوا للأسرى أن يكونوا أناسا بلا جدوى، وأرادوا لهم أن يصبحوا عالات على أهلهم ومجتمعهم وأبناء شعبهم، وكما قال وزير الحرب السابق موشي ديان، سنجعل من هؤلاء الذين يطلقون على أنفسهم فدائيون أدوات طيعة، لكن الأسرى واجهوا هذا التحدي بتحدٍ آخر، واستطاعوا أن يجعلوا من السجون مدارس وأكاديميات، وأن يحولوها إلى أمل متجدد دائما".

وأكد أن "الأسرى استطاعوا أن يصنعوا من عذاباتهم وآلامهم يوميات للنضال، واحتفلوا بالمناسبات الوطنية وبانطلاقات فصائلهم تحت القمع والغاز المسيل للدموع، حتى وصلوا إلى ما وصلوا إليه، والإدارة سلمت بأنهم لن يُكسروا".

وأوضح يونس أن "الأسرى بوحدتهم استطاعوا كسر الوزير الغاشم بن غفير، الذي كان يعتقد لأسباب شخصية أن قمعهم وإخضاعهم يشكلان الحصان الرابح، كما هو دائما في الحسابات الداخلية الإسرائيلية".

وسرد يونس عدة قصص وتجارب عن عمليات تحرر ذاتي، تمكن فيها الأسرى من الفرار من سجون الاحتلال، حيث عاصر غالبيتها خلال سنوات اعتقاله التي وصلت إلى أربعين عاماً.

وروى تفاصيل عن الهروب الكبير من سجن شطة عام 1958، وتحدث عن الأسير حمزة يونس الذي وُصف بـ"الزئبق" و"قافز الأسوار"، إذ تمكن من الفرار عدة مرات من سجون الاحتلال، كانت أولاها من سجن "عسقلان" عام 1964، وتطرق أيضا إلى هروب عام 1987 من سجن "نفحة" الذي غطى فيه الأسرى داخل المعتقل على الفارين لعدة أيام.

وأكد أن الأبطال استطاعوا كسر شوكة منظومة الاحتلال الأمنية، ونفذوا عمليات بطولية تدلل على قوة إرادتهم وعدم خضوعهم للترويض، وأنهم لن يقبلوا سوى بالحرية. وعملية "جلبوع" الأخيرة رسم أبطالها نهجا جديدا في تاريخ الحركة الأسيرة والشعب الفلسطيني، وهم مصدر فخر بصنيعهم وتفانيهم ووحدتهم.

وتحدث يونس عن أحد الأمور الإيجابية التي كانت من نتائج هذه البطولة، وهو تشكيل لجنة الطوارئ العليا، مضيفا أنه "بعد الهروب كان الأسرى على قدر من المسؤولية وتلمسوا قوة الرياح العاتية القادمة والمتمثلة في إجراءات إدارة السجون التي لا يمكن مواجهتها إلا بالوحدة، ومن أجل التصدي لهذه الهجمة تم تشكيل لجنة الطوارئ العليا التي تجمع الأطر التنظيمية كافة تحت لوائها، وهي كفيلة بمواجهة مخططات بن غفير وغيره".

ووجه عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح"، الأسير مروان البرغوثي، رسالة من قسم العزل الجماعي في سجن "عوفر"، حيّا في مستهلها أبطال نفق الحرية الستة، القابعين في العزل الانفرادي، والذين سطروا صفحة جديدة في سفر ملحمة الصمود والبقاء والمقاومة.

وجاء في الرسالة التي ألقاها عبد القادر بدوي، ممثل الحملة الشعبية لإطلاق سراح القائد مروان البرغوثي، "إن عملية الفرار من سجن "جلبوع" أبهجت العالم بأسره، وأثارت إعجاب الفلسطينيين والعرب والأحرار واحترامهم وتقديرهم في كل أنحاء العالم، وشكلت صدمة للاستعمار الصهيوني، وأعادت الاعتبار إلى قضية الأسرى وحريتهم، وعبّرت عن إرادة غالبية الأسرى الذين لم تكسرهم سنوات المعاناة والعذابات الطويلة، ولم تستسلم لشروط السلطات الاستعمارية وقيودها وضوابطها، ولم يطَلها صهر الوعي وسياسة الإغراء والإغواء، فكانت عزيمتها وإرادتها وشجاعتها وروحها أقوى من منظومة السيطرة والتحكم والضبط الاستعمارية".

وذكر البرغوثي أن ذكرى عملية "نفق الحرية" تحل في ظل تصعيد الحكومة الاستعمارية الفاشية من سياستها بتهميش القضية الفلسطينية وعزلها تمهيدًا لتصفيتها، من خلال إغراق الضفة الغربية والقدس بمئات آلاف المستعمرين، وتكريس سياسة الضمّ الزاحف تقويضا لإمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة، مستغلةً اضطراب النظام الدولي وانشغاله، والانحياز الأميركي المطلق.

وخلال الندوة، قرأ نائب رئيس نادي الأسير عبد الله الزغاري، رسائل وجهها ثلاثة من أبطال نفق الحرية في الذكرى الثانية لانتزاعهم حريتهم من سجن "جلبوع"، وهم زكريا الزبيدي، ومحمود العارضة، وأيهم كممجي.

كما تلا مسير الجلسة، الناطق باسم مفوضية التعبئة والتنظيم لحركة "فتح" عبد الفتاح دولة، نصوصا من مقالات كتبها 11 أسيرا في سجون الاحتلال، تناولت حادثة "نفق الحرية" وتداعياتها على الحركة الوطنية داخل المعتقلات وخارجها.

وفي ختام الندوة، كرمت هيئة شؤون الأسرى والمحررين ونادي الأسير أبطال نفق الحرية الستة، محمود العارضة، ومحمد العارضة، وزكريا الزبيدي، وأيهم كممجي، ويعقوب قادري، ومناضل نفيعات، عبر منح عائلاتهم دروعا تقديرية.