ماجد هديب - النجاح الإخباري - بعيداً  عن التعريفات القانونية لأطفال الشوارع  وتصنيفاتهم ،وبعيداً أيضا عن الأسباب التي دفعت هؤلاء إلى الشارع وانعكاسات وجودهم على أمن المجتمع ، فإنه لا بد من  القول أولاً  بأن هؤلاء الأطفال ليسوا كلاباً ضالة حتى يتأفف الجميع عند رؤيتهم ويشمئز البعض من إلحاحهم ،بل إن  هؤلاء الأطفال ما كان لهم أن يكونوا بالشوارع من أجل الاسترزاق أو الاستجداء لولا  جريمة الانقسام  التي لا براءة لأحد  من ارتكابها ،فالأسرة والقيادة السياسية  سبب دفع هؤلاء الأطفال إلى الشوارع بفعل الجهل وغياب سياسات بناء الانسان ،وبفعل سياسات التخبط والفوضوية ، فلماذا إذا يشمئز البعض عند رؤية هؤلاء الأطفال  في الوقت الذي يجب أن يكون الاشمئزاز عند رؤية من كان سببا في إيصال هؤلاء الاطفال إلى مرحلة الاتجاه نحو الانحراف والجريمة  بسبب انقسام لا مبرر له ،وبسبب شعارات طوباوية لم تجلب لنا إلا التخلف والكراهية.

آن الأوان ان نعترف جميعا بان  هؤلاء الأطفال هم ضحية  قيادة لم تجلب لنا ولا  لقضيتنا الا كل عداء ،كما آن الأوان أن نصرخ بوجه هذه القيادة لا بوجه هؤلاء الأطفال لنقول لهم كفى عبثا بحياتنا كما تعبثون بقضيتنا ،وكفى دفعا بهؤلاء الأطفال نحو الانحراف والجريمة كما دفعتم بنا نحو الانقسام والرذيلة.    

صحيح بان ظاهرة أطفال الشوارع بازدياد وتنامٍ حتى في الدول المتقدمة، ولكن علينا أن نعترف بانه لولا الانقسام وانعكاساته على الاسرة بفعل الحصار وغياب السياسات التنموية والاجتماعية ما كان لنا أن نرى هؤلاء الأطفال في الشوارع والميادين، وما بين زحمة السيارات المتوقفة  على إشارات المرور لعرض ما لديهم من سلع بسيطة أو لطلب مساعدة ،وهو أمر قد  اعتاد الناس عليه وبات بالنسبة اليهم أمرا مألوفا ،ولكن ما يجب الانتباه اليه والحذر منه ان هذه الظاهرة تنذر بعواقب وخيمة لما تحمل في طياتها من أخطار ،ومنها  انحراف هؤلاء الأطفال والاتجاه نحو الجريمة، فهل من خطة  لحماية هؤلاء الأطفال ورعايتهم ؟.

وفقا لتعاليم الإسلام، ووفقا لكافة القوانين الوضعية أيضا ،فان الدولة هي من تتولى رعاية الأطفال في حال عدم قدرة  الاسرة ،فاين هي الحكومة التي يجب ان تتولى هؤلاء الاطفال، ليس بتقديم الشراب والطعام فقط ،وانما بالتأهيل مهنيا واخلاقيا ،فهل يمكن لحركة حماس ان تتولى هذه الرعاية  لوحدها في  ظل منع تمكين السلطة الوطنية للقيام بهذه الواجبات ،وفي ظل ادراك حركة حماس نفسها انه ما كان لهذه المشكلات الأمنية والاجتماعية ان تتفاقم لولا سيطرتها على غزة وانفرادها بالحكم بذريعة بناء المقاومة ،فأي مقاومة تلك التي تهتم حركة حماس ببنائها في ظل  انهيار منظومة قيم المجتمع واخلاقه ،وفي ظل غياب بناء الانسان؟.

على حركة حماس أن تدرك ان بناء الانسان أهم من بناء المقاومة ،وانه لا مقاومة حقيقية في ظل انهيار منظومة القيم والأخلاق ،وفي ظل الاخطار التي تحدق بمجتمعنا الفلسطيني نتيجة هؤلاء الأطفال الذين دفعنا بهم الى الشوارع وتركناهم  بلا رعاية، وبلا حماية أيضا ولا تأهيل ،ولذلك  فانه ليس امام حركة حماس الا الاتجاه نحو الوحدة وصياغة الاستراتيجيات لبناء الانسان والوطن ،مع الاعداد للمقاومة  لاكتمال عملية التحرير ،لأنه  لا يمكن لنا الانطلاق بعملية  التحرر وبناء الدولة دون بناء الانسان ،ولا يمكن لنا أيضا حفظ المجتمع من المشكلات الاجتماعية والأمنية دون استراتيجيات ، فهل يمكن لحركة حماس انهاء ظاهرة أطفال الشوارع مثلا دون استراتيجية؟، وهل يمكن تحقيق هذه الاستراتيجية دون وحدة ؟،وهل يمكن حفظ الامن دون وحدة و استراتيجية ؟.

تحديات كبيرة امام القيادة السياسية والأمنية لحركة حماس والتي يجب   الوقوف امامها لمواجهتها إذا ما أراد هؤلاء فعلا مصلحة الشعب الفلسطيني، وإذا ما ارادوا فعلا مقاومة الاحتلال، فهل تمتلك حركة حماس الإدارة والارادة    لتحقيق مصالح الشعب الفلسطيني وتوفير الامن الشامل له بعيدا عن الوحدة والوئام، وإذا ما كان لدى هؤلاء القدرة على ذلك فعلا وفقا لما يصدر عنهم من تصريحات، فلماذا يتهربون إذا من تحقيق أدنى مقومات المعيشة للشعب الفلسطيني في قطاع غزة؟ ، ولماذا يتهربون أيضا من    انشاء مراكز مهمتها تأهيل هؤلاء الأطفال مع توفير   شبكة امان لهم للاهتمام بهم وبظروفهم وتقويم سلوكهم نفسيا ومهنيا واخلاقيا من اجل تلافي مهددات الامن للكيان الاجتماعي الذي يحمله هؤلاء إذا ما استمر وجودهم بالشوارع؟.

على اجهزة  حماس الأمنية ان تدرك ان امن المجتمع لا يتحقق من خلال  تحقيق امن التنظيم والحفاظ علي  هذا التنظيم  من خلال فرض القوة على كل من يختلفون معه ، بل ان تحقيق الامن يتطلب  تقديم الخدمة الامنية بمفهومها الشامل وابعادها الاجتماعية والاقتصادية  وفقا لدراسات  وتوصيات ، فهل قامت أجهزة امن حماس الأمنية بواجباتها حيال ما يتعرض له شعبنا من مشكلات امنية واجتماعية من خلال قيامها بإجراء الدراسات  لتلك المشكلات مع تقديم التوصيات للقيادة السياسية من اجل اتخاد القرارات المناسبة حيال هذه المشكلات ،ام ان اهتمامات  هذه الأجهزة لا تتجاوز  فرض الامن بالقوة من اجل حماية التنظيم ؟ ، وهنا لا بد لي ان اسال قادة الأجهزة الأمنية في قطاع غزة  اذا ما كانوا يدركون انعكاسات ظاهرة أطفال الشوارع على المجتمع الفلسطيني، واذا ما كان هؤلاء قد اتخذوا  فعلا تدابير واستراتيجيات  لمواجهة هذه الانعكاسات ؟.

هذه الأسئلة ليست من باب التنظير ،ولا حتى هي من باب التعجيز، وانما من باب التوضيح لمهام الأجهزة الأمنية ،ومن باب تسليط الضوء على ما يواجه المجتمع من اخطار ،فالأجهزة الأمنية في أي دولة ومهما كانت هي صاحبة الاختصاص  في وضع قاعدة بيانات لمعرفة واقع المجتمع وما يتعرض له من مشكلات ،وذلك من خلال احصائيات تكون أساس ادراك الخطورة من اجل اتخاد التدابير والإجراءات المناسبة   لحماية المجتمع من الجريمة مستقبلا ، وذلك باعتماد أنشطة وتدابير ذات طابع  اجرائي ميداني ،ومنها اعتماد سياسة وقائية شاملة ، فهل يمكن لأجهزة حماس الأمنية  ان تقوم بمسح اجتماعي لظاهرة أطفال الشوارع لقياس مدى خطورة الفئات الاجتماعية ذات التهديد الأمني على الكيان الاجتماعي كأحد أساليب الوقاية من الجريمة؟ ، وهل يمكن لأجهزة حماس الأمنية وضع خطط او تنفيذ لهذه الخطط وفق برامج معتمدة واستراتيجيات ،ام ان مهمة أجهزة حماس الأمنية هي فقط حماية التنظيم ولا علاقة لها بانعكاسات المشكلات الأمنية والاجتماعية على المجتمع والانسان؟.

على قيادة حركة حماس السياسية  ان تدرك بأن بناء الانسان أولى من بناء التنظيم ،وان حماية الأطفال من الوقوع في براثن الجريمة أولى من حماية حكم هذا التنظيم، فماذا ينفع حينئذ بناء المقاومة في ظل غياب بناء الانسان وفي ظل انهيار منظومة القيم والاخلاق؟،كما انه على أجهزة حماس الأمنية ان تثبت انها أجهزة امنية ذات عقيدة وطنية ،وذلك من خلال اجراء  دراسات عن المشكلات الأمنية والاجتماعية في قطاع غزة وتقديمها الى قيادة  حماس السياسية  ،ومن بينها إجراء دراسة حول مشكلة أطفال الشوارع ،لإظهار  ما يمكن ان يقوم به هؤلاء الأطفال من تأثير  على المجتمع ،وما يمكن ان يقوموا به من خروج على المعايير والقيم والضوابط الاجتماعية  في حال استمرار غياب الوحدة ،وفي حال استمرار قرار عدم تمكين السلطة للقيام بمسئولياتها تجاه هؤلاء الأطفال مهنيا وتعليميا  ومعنويا ؟، فهل وصلت الرسالة؟.