النجاح الإخباري - يرتبط اسم  سويسرا عادةً بالاغنياء فهي تَحتل المركز الأول عالمياً من حيث الكثافة الأكبر لأصحاب الملايين.

وليس هناك أي مكان آخر في العالم، يعيش فيه عدد كبير من الأثرياء مقارنة بعدد السكان المُقيمين في تلك البقعة، فثمة  اليوم قرابة 7000 شخص في الكنفدرالية يمتلكون أصولا تُقدر قيمتها بـ 30 مليون دولار على أقل تقدير، كما جاء في تقرير الثروة الصادر عن مؤسسة نايت فرانك الذي يحلل تدفقات الثروة والإستثمارات العقارية في مختلف أنحاء العالم.

 

البروفيسور أوَلي ميدَر الذي امضى جل حياته المهنية تقريباً في دراسة مظاهر الفقر والغنى، يبحث ويستقصي حول الأسباب الجذرية الكامنة وراء ظاهرة عدم المساواة الإجتماعية، ويقول: "لَمْ يتحصل أيُّ واحدٍ من أصحاب المليارات على ثروته بنزاهة".

 

ويؤكد أن الإستقرار السياسي والوضع الضريبي المُريح في سوسيرا بالنسبة للممتلكات والمواريث اضافة لنظام الضريبة الجزافية والسرية المصرفية، وتقديم النصائح الجيدة في مجالات الإستثمار، ودفع القطاعات الاقتصادية أجوراً مُرتفعة جداً جعلها وجهة جذابة لأصحاب الملايين.

 

وحول كيفية الحصول على الثروة، يشير ميدَر الى أن العديد من الأشخاص يحصلون عليها وهم في مهدهم، لأنهم وُلِدوا في أسرة ثرية، أو نتيجة الزواج من شخص ينتمي لإحدى هذه الأسر، مضيفا أن "10% من الورثة يستحوذون على ثلاثة أرباع مُجمَل الأصول الموروثة في سويسرا".

 

ويؤكد أن الأجور المُفرَطة في قطاعات إقتصادية معينة تساهم في خَلق أصحاب الملايين، كما أن الإجتهاد والأبتكار يلعبان دوراً مهما في الثراء، مشيرا الى أن هناك مبالغة واضحة في تقييم هذين العاملين، فالعديد من الأغنياء لا يتّسمون بالإبتكار، ولكنهم تركوا الزمام للمال واستفادوا من ارتفاع أسعار الأراضي على سبيل المثال.

 

ويقول ميدَر: إن الكثير من الأشخاص الأغنياء لم يتكاسلوا عن العمل أو يقفوا مكتوفي الأيدي، بل ساهموا بأنفسهم في تكوين ثروتهم، فالثراء الناجم عن التعاملات المالية اكتسب أهمية كبيرة في العقود الأخيرة، وعلى حساب مُكوِن الأداء.

ويشير الى أنه لَمْ يكسب ولا ملياردير واحد ثروته بأسلوب نزيه، فَمِثلُ هذا الغنى يتحقق دائما وبمنتهى الفعالية على حساب الآخرين.

 

وبالمقابل، هناك الكثير من الأشخاص الذين يعملون بدوام كامل، لكنهم مع ذلك لا يُحققون أيّ نجاح في حياتهم، بسبب عملهم في قطاعات تمنح أجوراً منخفضة، فالإجتهاد وحده لا يضمن العيش الرغيد بالضرورة.

 

ويتابع "لا أريد التحريض ضد الأغنياء، ولكننا لا ينبغي أن نكون مُمتنين لهم إذا ما قرّروا الإقامة في بلدنا، هذا الركوع يُشكل جزءاً لا يتجزأ من ثقافتنا للأسف، على الرغم من الإحباط الذي يشعر به البعض وهم يرون ما يبذله العديد من الناس من جهود هائلة فقط لتغطية نفقاتهم، في حين يولد الآخرون في أسرٍ يتوفر فيها كلّ شيء".

 

ويقول: إن  شريحة واسعة من السكان استطاعوا تحسين وضعهم المادي في الفترة المُمتدة بين خمسينيات وسبعينيات القرن الماضي، مشيرا الى أنه في عام 1972، لم تُسجِل البلاد رسمياً سوى 106 عاطل عن العمل.

 

في غضون ذلك، ينوه الى أن الموقف السياسي الليبرالي المؤيد للتوازن الإجتماعي ترسخ بقوة في المجتمع، الذي يفترض أن يكون العمل ورأس المال فيه بحالة متوازنة، مشيرا الى أنه لاحظ حدوث نقلة نوعية في السنوات الأخيرة، فالمال اصبح أكثر أهمية من العمل اليوم، كما يسود هناك مفهوم ذو دوافع مالية.

 

وتعتبر سويسرا من البلاد الفقيرة من حيث الموارد الطبيعية الا ان إستيراد المواد الخام من الخارج بشروط مُيَسَّرة جداً وبشكل مجاني تقريباً ساعدها على التحوّل إلى بلد صناعي، حسب قوله.

 

وفي السياق ذاته، بين أن سياسة التجارة العالمية للبلدان الغنية مارست ضغوطها على البلدان الاخرى بغية التكيف من الناحية الهيكلية، وتهيئة ظروف مواتية للإستثمار، والحفاظ على حصة مُتدنية للحكومة من الناتج المحلي الإجمالي، واتخاذ تدابير الإنفتاح التجاري.

 

ولا تزال النظرية القائلة بانعدام إمكانية جَني ثروة كبيرة بطريقة نزيهة مَثار جدل بين العلماء.

ومن جهته، يقول جورج فون شنورباين، أستاذ إدارة المؤسسات في جامعة بازل: إنه لا يمكن إستبعاد اللجوء إلى بعض الأداء الصارم في موضع ما خلال تطوير العمل التجاري، لكن سيكون من الخطأ الإشتباه دائماً بعدم إمكانية تكوين ثروة دون نوايا جنائية، مثلما لا يمكن الإدعاء بأن كل فقير قد إرتكب خطأ، فهناك ظروف اجتماعية تتيح بناء الثروة أيضا.

 

وختاما، يقول فون شنورباين: إنه لا يعتقد إمكانية حدوث توترات في سويسرا رغم التباين الكبير والتوزيع غير المتكافئ في الثروة، لأن متوسط الدخل والظروف المعيشية العامة فيها جيدة.