نابلس - النجاح الإخباري - بقلم / م. محمد خليل الحلبي- منذ اللحظة الأولى لظهور القضية الفلسطينية، حملت مصر على عاتقها الدفاع عن الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة، واليوم تتجدد هذه المسؤولية في مواجهة أخطر المخططات الإسرائيلية، وهو التهجير الممنهج لأبناء غزة. القاهرة أوضحت للعالم أنها لن تسمح بتمرير هذا السيناريو، لأنه لا يهدد فقط الفلسطينيين، بل يستهدف الأمن القومي المصري والعربي برمته.
لم تكن مصر يوماً بعيدة عن تفاصيل القضية الفلسطينية. فمن حرب 1948 مروراً بسنوات النكسة والنصر وحتى اليوم، بقيت القاهرة سنداً للفلسطينيين. ورغم أن منظمة التحرير الفلسطينية رفضت في مراحل سابقة بعض المبادرات المصرية، إلا أن التجربة أثبتت أن رؤية مصر كانت أكثر عمقاً، وأن تلك الرفضات أضرت بالقضية وأخّرت حلم الدولة الفلسطينية. مصر كانت وما زالت تتحرك من منطلق مصلحة الشعب الفلسطيني أولاً وأخيراً.
منذ أكثر من 15 عاماً، لم تتوقف القاهرة عن جمع الفصائل الفلسطينية على طاولة الحوار، في محاولة لرأب الصدع الداخلي. الانقسام بين غزة والضفة كان دائماً الثغرة التي نفذت منها إسرائيل لإضعاف الفلسطينيين. ومصر، بخبرتها ووزنها الإقليمي، تعرف أن وحدة الصف الفلسطيني هي الطريق الوحيد لقيام الدولة المستقلة، ولهذا تبذل جهوداً حثيثة للحفاظ على النسيج الوطني من أي شرخ قد يبدد التضحيات.
خاضت مصر حروباً ومعارك طويلة مع إسرائيل، عسكرية وسياسية، ما جعلها أكثر دولة عربية تفهم عقلية الاحتلال. القاهرة تدرك كيف يستخدم الكيان سياسة الأمر الواقع، وكيف يراهن على الانقسام، وكيف يسعى دائماً لتفريغ الأرض من أصحابها. ومن هنا، فهي تملك القدرة على كشف المؤامرات مبكراً وإحباطها، سواء استهدفت فلسطين أو الأمة العربية، وفي مقدمتها مصر نفسها.
التصريحات الأخيرة لوزراء خارجية مصر والسعودية والإمارات، بأن تهجير أهل غزة "خط أحمر"، لم تكن مجرد كلمات. بل كانت رسالة واضحة لإسرائيل بأن أي محاولة لاقتلاع الفلسطينيين من أرضهم ستقابل بموقف عربي حاسم. هذه المواقف دفعت الاحتلال لإعادة حساباته، بعدما أدرك أن المضي في هذا المخطط سيشعل مواجهة إقليمية واسعة النطاق.
اليوم، يقف الشعب الفلسطيني مطمئناً أن القاهرة لن تتركه وحيداً أمام محاولات التهجير. فمصر لم ولن تسمح بفرض واقع جديد على حدودها أو على الأرض الفلسطينية. إنها المعادلة الثابتة: بقاء الفلسطينيين في أرضهم خط دفاع أول عن أمن مصر والعرب، وإسقاط المؤامرة الإسرائيلية واجب وطني وإقليمي لا تنازل عنه.
من هذا المنطلق، فإن جميع الفصائل الفلسطينية مطالبة بأن تضع ثقتها الكاملة في مصر، وأن تدعم أي مبادرة تطرحها القاهرة، لأنها الطرف العربي الأكثر دراية بملف الصراع، والأقدر على إدارة التوازنات الإقليمية والدولية لصالح القضية الفلسطينية. إن التوافق مع الرؤية المصرية ليس خياراً تكتيكياً، بل ضمانة حقيقية للحفاظ على القضية من التصفية، ولإعادة توحيد الصف الفلسطيني في مواجهة الاحتلال.