النجاح الإخباري - كتب الشاب حامد عاشور قصة شاب من الصم والبكم استشهد في غزة لا أحد يعرف عنه أكثر من الكلمة التي يرددها "بيا":

هذا بيا لا أعرف اسمه ولا بيته لكنه صديق النزوح الأبدي الطويل وشريكي في هذا الأسى الممتد

جئتُ إلى خان يونس قبل 10 اشهر نازحاً

أوقفني "بيا" بشعره الذي لم يحلقه منذ آدم إلى ذلك النهار وملابسه المرقعة راجياً سيجارة، ولم يكن بحوزتي سوى سيجارة يتيمة مشتعلة بين أصابعي تقاسمناها شهيقاً زفيراً عند مجمع ناصر الطبي، وافترقنا دون أن نتبادل الأسامي أو الخيبات

ومنذ تلك السيجارة وأنا أراه كل يوم يأتي بثيابه المرقعة ذاتها إلى مقهى صغير على أحد الأرصفة، أرمي عليه التحية بطريقتنا المعهودة، بإصبعين عند الشفة وأقصد الإشارة إلى وجود سيجارة بحوزتي، فيفرح ونتصافح وندخن.

كان "بيا" أبكماً وأكثر من يحاول الكلام.

مرة جئت إلى المقهى مقرراً عدم التدخين، جلس إلى جواري ممسكاً ولاعة، فأشرت له بإمتعاض أني لا أملك نقوداً

فقام يتسول سيجارة من رواد المقهى ويزعجهم، بينما أنا أضحك وأتابع

نهروه ودفعوه خارجاً، كانت السيجارة في الحرب تعادل الروح، لكنه عاد بعد أقل من ساعة يحمل سيجارة فارهة بسعر "٣٠ دولار" يلوّح بها ويرقص

استقبلوه من نهروه وحملوه على الأكتاف وهتفوا له ،انقلبنا جميعاً على ظهورنا من الضحك

كان الجميع متسولين ومتملقين ودراويش بينما "بيا" هو الثري الوحيد الذي يغيظهم وهو يجلس إلى جواري يشعل لي السيجارة وأنا واضعاً قدماً فوق قدم.

اختفى "بيا" منذ أيام وتغيّب عن الكثير من القهوة والدخان والضحك، وجدت هذه الصورة اليوم في إحدى المجموعات الإخبارية على "تيلجرام"، تحتها إعلان يفيد بأنه تم العثور على جثة مجهولة الهوية بالقرب من موقع "زيكيم" العسكري الإسرائيلي وهي الآن في مستشفى الشفاء بغزة.

أنا أعرفه هذا "بيا" الذي عاش بيننا بلا اسم أو عنوان واضح

"بيا" صاحب الثلاث حروف

تلك الحروف هي اسمه ولقبه ومكانه، وهي كل شيء يملكه وهي الكلمة الوحيدة التي ينطقها إذا أراد التعبير عن أي شيء "بيا بيا بيا".

وداعاً يا صاحبي

الكثير من الحسرة والألم معاً.