النجاح الإخباري - احتكار دور المستهدف و المطارد الذي تمارسه الدعاية الصهيونية ، تحول فعليًا إلى بعبع يخيف معظم الناس و المثقفين و الأكاديميين فضلا عن السياسيين ، و بهذا فإن الدعاية الصهيونية تنجح مرتين من خلال استخدام هذا السلاح ، المرة الأولى في منع النقد او المساءلة ، و المرة الثانية في ممارسة ما تريد ضد الشعب الفلسطيني تحت ستار كثيف من دخان الترهيب و التخويف ، و استطاعت الدعاية الصهيونية مدعومة بقوى هائلة ، معروفة و غير معروفة ، في أن تجعل من مقولاتها و ادعاءاتها حقائق تاريخية فيما يعتبر سابقة تحدث لأول مرة في التاريخ ، أن الرغبة الصهيونية في احتكار الصورة و الرواية عن التاريخ اليهودي _المختلف عليه و المتعدد_ وصل إلى ذروته في المحاولات الدؤوبة و الناجحة أيضًا في تهويد السوشيال ميديا من خلال محاربة المحتوى الفلسطيني أولا ومن خلال السكوت عن العنصرية و الكراهية التي تنز من بعض المحتوى الصهيوني و عدم منعه او الاعتراض عليه أو معاقبته على الإطلاق .
اللقاء بين نتنياهو و بين إيلون ماسك كان لقاء معبرًا عن المحاولة الصهيونية الناجحة و المستمرة من أجل استخدام هذه المنصة العالمية في احتكار الصورة و المحتوى و الرواية و الرؤية أيضًا .
و هذا يتفق مع محاولات الدعاية الصهيونية العالمية في احتكار الرواية التاريخية من خلال تهويد التاريخ كله ، أي جعل اليهودي شخصًا مركزيا في صنع الحدث العالمي ، و هو التيار الذي عبر عنه مئات من المؤرخين و المنظرين و الآثريين الذين أنطقوا الشجر و الحجر ولووا عنق الحقائق لتتفق مع الأهواء والأخيلة المحمومة و المريضة ، و لهذا لم نستغرب استنكار إسرائيل موقف اليونيسكو من تل السلطان في أريحا ، فضلا عن المحاولات الساذجة و المثيرة للضحك في الإستيلاء على بعض الأطعمة أو الألبسة الفلسطينية باعتبار أن القوي يرث الضعيف .
تهويد التاريخ يعني أن جماعة ما من دون جماعات البشر هي التي بدأت الحضارة الإنسانية و هي أول من كتبت أو عبدت الله أو قدمت مقترحًا جماليًا للعالم ، و هذا افتراء على الحقيقة و ربما قتل لها أو هي كذلك ، و كل ذلك يترافق و يتكامل مع المحاولات المستمرة التي تجري أمام كل أنظار العالم لتهويد الحيز المكاني الفلسطيني و بالذات المسجد الأقصى الذي بدأت محاولات تغيير الواقع فيه منذ اليوم الأول لاحتلاله و حتى يومنا هذا ، من خلال الإساءة إليه و الحفر تحته و البناء حوله و خلخلة أحجاره و جدرانه و التحكم في الدخول و الخروج منه و اعتقال المعتكفين و منع المصلين و دفع المستوطنين إليه ، و محاولة امتلاكه فعليًا و ليس رمزيًا من خلال المماراسات التوراتية المتكاثرة من نفخ في البوق إلى إعداد للبقرة المقدسة و انتهاءً بإعداد طواقم الكهنة المستعدين لتنفيذ مخطط محموم و مريض ، فضلًا عن انتشار الاستيطان بطرق هندسية و ديموغرافية و توتراتية تحاول بناء وعي آخر للمكان و بالتالي بالتاريخ ذاته ، و محاربة المنهاج الفلسطيني و منع ميلاد حس قومي كاف لبناء دولة و مجتمع ، و محاربة كل مبادرة فلسطينية يمكن لها أن تقف أمام هذا الاتجاه المتحجر .
سياسة التهويد سياسة نفي و تغييب لكل ما هو غير يهودي ، سياسة التهويد هي انعكاس بشكل ما لعقلية الاعتزال و العزل في آن معًا ، لأن التهويد عملية استفراد و احتكار من جهة و عملية طرد و إبعاد من جهة اخرى ، و هي تمارس على مستوى الوعي من خلال احتكار دور المستهدف الفريد و المطارد صاحب النبوءة ، و تمارس كذلك على مستوى الحيز المكاني من خلال تحويله الى كيان إلهي لا يحتمل أي سيطرة بشرية أخرى ، سياسة التهويد عملية تذويت خطيرة تتم فيها مركزة العالم في جماعة واحدة فقط تدعي بأنها الأحق و الأقدر .
و برأيي المتواضع فإن الجمهور اليهودي بمعظمه في إسرائيل يندفع إلى مناطق خطرة من مناطق الوعي المهلك ، فالذعر من جهة و امتلاك القوة من جهة أخرى و التحدث باسم الله من جهة اخرى ، كل ذلك يقود إلى ما لا يحمد عقباه .