وكالات - سنية الحسيني - النجاح الإخباري - لا يمكن فصل حالة الانقسام التي يرزح تحت وطأتها الفلسطينيون عن تحالفات حركتي فتح  وحماس العربية والإقليمية، وشدة الاستقطاب في إطار تلك التحالفات، التي يفترض أنها تؤثر على حدود تعميق الانقسام بين الفلسطينيين.
تبدلت حدود العلاقة بين الفصيلين المتنافسين فتح وحماس ما بين عهد الانتفاضة الأولى، وظهور السلطة الفلسطينية بعد ذلك في أعقاب توقيع اتفاق أوسلو، ثم حدوث الانقسام الفلسطيني، في إطار المعادلة السياسية الفلسطينية.
وتغير تبعاً لذلك مدى تأثير تحالفات هذين الفصيلين العربية والإقليمية، في إطار تغير مستوى المنافسة بين الفصيلين الفلسطينيين داخل الساحة الفلسطينية، وفي ظل تبدل معادلة التحالفات العربية والإقليمية قبل عهد الثورات العربية وخلالها وبعدها.  
منذ ظهور حركة حماس ضمن المعادلة السياسية الفلسطينية مطلع انطلاق انتفاضة الحجارة، نهاية عقد الثمانينيات من القرن الماضي، حمل الطرفان المتنافسان، حركتا فتح وحماس، مقاربتين متناقضتين لحل القضية الفلسطينية.
تمحورت مقاربة حركة حماس باتجاه المواجهة مع الاحتلال، والتي انسجمت مع رؤية إيران لحل القضية الفلسطينية، في إطار علاقتها العدائية مع الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل. في حين تبنت حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية مقاربة سلمية لحل القضية الفلسطينية، متأثرة بعاملين، الأول يتعلق بالكبوات المتتالية التي لحقت بها، والتي كان أصعبها الخروج من لبنان في العام ١٩٨٢، والثاني ارتبط بتوجهات مصر والمملكة العربية السعودية، حليفي الولايات المتحدة المقربين في المنطقة، نحو الحل السلمي، وتأثير هذين البلدين على القرار السياسي للمنظمة، في ظل مكانتهما وحاجة الفلسطينيين لدعمهما.
بعد توقيع اتفاق أوسلو العام ١٩٩٣، ترسخت المقاربة الثانية، المرتبطة بالحل السلمي للقضية الفلسطينية، في ظل تمكين المنظمة وحركة فتح لتحقيقها، من خلال السلطة الفلسطينية التي تأسست في ذلك الوقت، وبدعم ومساندة من الدول العربية الحليفة للولايات المتحدة في المنطقة على رأسها مصر والأردن والمملكة العربية السعودية.
في ظل تلك التطورات، تراجعت مكانة حركة حماس، التي باتت مجرد حزب معارض، تحت إدارة وحكم السلطة الفلسطينية، في ظل توجه دولي وإقليمي لتقويض مقاربتها السياسية، المرتبطة بمواجهة إسرائيل.
بعد أحداث الحادي عشر من أيلول، مطلع الألفية الجديدة، بلورت الولايات المتحدة حالة الاستقطاب الإقليمي في المنطقة، في ظل زيادة تدخلها في المنطقة وتدشينها لحربها على "الإرهاب"، فقسمت المنطقة ما بين دول "الاعتدال" العربي ممثلة بمصر والأردن والسعودية إلى جانب السلطة الفلسطينية، وما بين "محور الشر"، بقيادة إيران، إلى جانب سورية، والذي دعم مقاربة حركة حماس لحل القضية الفلسطينية.
بعد الانقسام، وسيطرة حركة حماس عملياً على قطاع غزة، وفي ظل تلك المعادلة الإقليمية للتحالفات، التي رسمتها الولايات المتحدة رسمياً، ودعم إيران لحركة حماس، بات طرفا المعادلة السياسية الفلسطينية على طرفي نقيض في إطار معادلة التحالفات الإقليمية. رغم بقاء المعادلة السياسية الفلسطينية على حالها، فبقيت السلطة وحركة حماس يدير كل منهما شطراً من الوطن الفلسطيني المحتل، تغيرت المعادلات الإقليمية للتحالفات، سواء في أعقاب الثورات العربية، أو في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية، والتي تأثرت تحالفات السلطة وحركة حماس تبعاً لتلك التطورات. في أعقاب الثورات العربية، ظهر التحالف القطري التركي، من داخل محور الاعتدال، والذي دعمت حركة حماس من قبله، في ظل عدم خسارتها لدعم المحور الإيراني السوري، بشكل كامل، رغم موقف الحركة من الثورة السورية. وبعد الحرب الروسية الأوكرانية، تبدلت معادلة التحالفات في المنطقة، فلم تبقَ الولايات المتحدة المحدد الوحيد فيها، وتصالحت السعودية مع إيران، وعادت العلاقات إلى طبيعتها بين قطر وتركيا مع دول الاعتدال الأخرى.
ترسخ الانقسام تدريجياً، فرغم عدم اعتراف الدول العربية المركزية المؤثرة على تطورات القضية الفلسطينية، على رأسها مصر والأردن والسعودية، بسيطرة حركة حماس على قطاع غزة، إلا أنها تعاملت مع الحركة. فمصر تعاملت بحكم موقعها الحساس أمنياً مع غزة، ودورها كوسيط، رغم عدم دعمها للحركة منذ ظهورها. ولم تتخلَ السعودية عن علاقتها بالحركة، وهي التي سمحت بجمع التبرعات الأهلية لدعمها مالياً منذ ظهورها، وتراجع هذا تحت وطأة أحداث الحادي عشر من أيلول، إلا أنها لم تتخلَ عنها، فرغم اعتبارها لانقسام حركة حماس بالانقلاب، ورغم علاقتها المتوترة مع حركة الإخوان المسلمين بعد الثورات العربية، إلا أن ارتباطها بالقضية الفلسطينية، ومساعيها لحل معضلة الانقسام الفلسطيني، تفسر استمرار علاقة المملكة بالحركة وعدم تصنيفها كحركة إرهابية أسوة بتصنيفها لجماعة الإخوان، فبقيت العلاقة بين المملكة والحركة قائمة وإن كان ذلك بشكل متذبذب، إذ ارتبط ذلك بمدى تطور علاقة حركة حماس مع إيران.
أما الأردن، والذي تعامل مع حركة حماس عند ظهورها، فقد انقلبت العلاقة تدريجياً مع الحركة بعد توقيعه لاتفاق السلام مع إسرائيل، ولم يرحب بفوزها في الانتخابات التشريعية في العام ٢٠٠٦، ولن يعترف بالانقسام مطلقاً بعد ذلك. إلا أن صعود نظام الإخوان لحكم مصر في العام ٢٠١٢، فتح الطريق لإعادة تطبيع العلاقات بين المملكة والحركة، وإن ظل ذلك في الحدود الدنيا بعد ذلك.
تنبئ تطورات الانقسام وسياسات حركة حماس وتحالفات المنطقة المتغيرة ببعض النتائج المستقبلية. فسياسات الدول العربية تجاه حركة حماس، تؤكد على الاعتراف بها، وبمكانتها السياسية وإمكانية تطبيع العلاقات العربية والإقليمية معها رغم استمرار الانقسام. وتشير سياسات حركة حماس خلال عهد إدارتها لقطاع غزة إلى مدى براغماتية الحركة، التي أعادت تطبيع علاقتها مع إيران في العام ٢٠١٦، بعد سقوط نظام الإخوان في مصر في العام ٢٠١٣، الذي عولت عليه الحركة انطلاقاً من اعتبارات أيديولوجية، وانحصار الدعم القطري التركي في الجوانب المدنية فقط، وعدم تبدل سياسة المملكة العربية السعودية تجاه الحركة، بعد صعود الملك سلمان في العام ٢٠١٥، وتطبيع العلاقات الإسرائيلية التركية في العام التالي، فوضعت الحركة وثيقة سياسية جديدة ورسخت قيادات مختلفة، تحررها من الارتباطات الأيديولوجية السابقة، وترسم تحالفات جديدة أكثر تحرراً واتساعاً ومرونة.
على الجانب الآخر أثبتت سياسة السعودية تجاه حركة حماس مدى ارتباط واهتمام المملكة بالساحة الفلسطينية، إلا أن ذلك تأثر أيضاً بتطور علاقات المملكة بالند الإيراني اللدود، وعليه، فإن تطورات العلاقة بين المملكة وإيران، في حقبة ما بعد الحرب الروسية الأوكرانية، واتساع مراكز القوى القطبية، سيصب في صالح حركة حماس في الساحة الفلسطينية الداخلية المضطربة.
إن ذلك ينطبق أيضاً على الدول العربية الأخرى، التي تبحث جميعها عن مصالحها السياسية والأمنية، دون التخلي عن القضية الفلسطينية، والتي باتت حركة حماس لاعباً أصيلاً فيها.
إن ذلك يعيدنا إلى مفصل الأزمة الفلسطينية، الممثلة بالانقسام وحلها، والذي يعتمد اليوم على الحل الفلسطيني لهذه الأزمة، والممثل بالتفاهم بين الفلسطينيين أنفسهم، دون أي تعويل على التحالفات الإقليمية المتبدلة، في إقصاء حركة حماس، فالدول العربية تضع الاعتبار الأساس لمصلحتها، والمصلحة الفلسطينية تكمن في قوة الموقف الفلسطيني، والذي تعكسه وحدته.