النجاح الإخباري - كتب رئيس التحرير

"غير مكترثين" هو الوصف الأكثر دقة لمتابعة الفلسطينيين اجتماعات القاهرة المنوي عقدها نهاية الشهر الجاري للأمناء العامين للفصائل الفلسطينية، بينما حالة عدم الاكتراث مردها للنهايات التي آلت إليها اجتماعات مماثلة في أوقات سابقة كانت مآلاتها "صفر اتفاق" في مرحلة شديدة التعقيد والخطورة في حياة الفلسطينيين.

لا يثق الفلسطينيون كثيرًا بقادة الفصائل، الذين ظلوا جزءًا من المشهد الحزبي منذ عقود طويلة، وإذا حدثت تغييرات في قيادة هذه الفصائل، فإنَّ السبب حصرًا هو وفاة قائد هذا الفصيل أو ذاك. مرة أخرى يتحدث الإعلام عن اجتماع القاهرة وكأنه أداة النجاة للفلسطينيين، بينما الشعب لا زال يتذكر جيّدًا كل تفاصيل الخلافات التي نشبت في لقاءات سابقة مماثلة، ولعل منها الاختلاف على مكان جلوس مسؤول حزب معين وإذا ما كان بجانب الرئيس الفلسطيني أم لا.

وبينما يظن قادة الفصائل أنهم من يقودون المشهد، تبدو الصورة على الأرض مغايرة، فجيل جديد ظهر يؤمن بكل ظاهرة تعطي أملا جديدا لهم بإمكانية تحررهم.

"عرين الأسود"، المجموعة التي لا تتبع أي تنظيمات اخترقت بقوة الشعور الفلسطيني للمواطن العادي، فعندما تدعو جميع الفصائل معًا للتظاهر، لن يتمكنوا من حشد جزء من نجاح "عرين الأسود" الذي خرجت لهدف واحد بدون تنظيم أو استراتيجية واضحة، فكانت أكثر تأثيرًا من تنظيمات مسلَّحة، إذ لا تقتصر على خط سياسي وعملياتي محدد، وهو ما أجبر إسرائيل على التحرك لمنع انتشارها وتأثيرها على الجماهير، حيث تُثير "عرين الأسود" اهتمام الناس بطريقة استثنائية، إذ تجسد مشاعر الفلسطينيين البسيطين بدون مسلكية تنظيمية تُحدِّد سير العمل، وأضحت بياناتهم عبر تطبيق "تليجرام" رمزًا للوعي الجماهيري والشعبي.

في ذات سياق المقاربة والمقارنة ظهرت كتيبة جنين المُنظمة، ذات التاريخ الطويل، وصاحبة الإمكانات الكبيرة والدعم العائلي والتنظيمي، لكنَّها لم تكن بذات تأثير عرين الأسود، والسر يكمن في الخلطة السحرية التي استخدمتها "عرين الأسود" والتي جاءت دون تخطيط أو تفكير كونها حالة شعبية خرجت فقط لهدف واحد ودون أي استغلال تنظيمي. يجدر الإشارة إلى أنَّ 95% من مجموعة عرين الأسود قادها وانضم لها شباب وُلدوا بعد الألفية الثانية "جيل Z" .

وتقودنا هذه المقارنة إلى مستقبل الأشياء فاجتماع الأمناء العامين لن يكون بحاضنة شعبية ولن يكون ضمن حالة الوعي العام الشعبي والجماهيري؛ لذلك فإنَّ الأمناء العامين سيجتمعون، وإذا لم يتفقوا فهو الطبيعي والمتوقع، وإن اتفقوا فإنَّ ذلك قد يكون اللبنة الأولى لإعادة الثقة بهم، وقد يمنحهم مزيدًا من الوقت قبل لحظة الفراق التام مع الجيل الذي يشكّل منتسبيه أكثر من 50% من تعداد السكان الفلسطيني في الأراضي التي حددتها "أوسلو" للفلسطينيين.

حكومة الوفاق كانت أحد النتائج  لاتفاقات الفصائل، حيث تخطَّت عقبات كثيرة، ووصلت إلى خطوط عامة يمكن البناء عليها لتجنب البدء من الصفر. وكان دمج موظفي حماس، الذين تم توظيفهم بعد عام 2007، مقابل السيطرة على المعابر خطوة جريئة ومثيرة للجدل في ذلك الوقت، وشهدت هذه الخطوة نقاشات واسعة حول الأمن والسياسات الحربية والسلمية، ولأوَّل مرة منذ بدء الانقسام، بدأ الحديث عن التفاصيل المعقدة والصعبة التي تبدو كمسار جحا في رواية عمرها 17 عامًا، كُسرت بعض التابوهات في خضم نقاش عميق كان هدفه توحيد المؤسسات بداية، ثم الانطلاق نحو القضايا الحساسة.

العلاقات الثنائية بين فتح وحماس منذ ذلك الحين أقرب إلى الصفر؛ لذا فإنَّ اجتماع القاهرة يجب أن يبدأ من النقطة التي انتهى عندها حتى يكون النقاش أكثر جديّة للانطلاق إلى النقاط التي تليه. نتنياهو الذي ضربته الشمس قبل يومين أثار دخوله المستشفى نقاشًا واسعًا في الإعلام الإسرائيلي والمعارضة، حيث لأوَّل مرة لا يكون هناك من ينوب عن رئيس الحكومة لأسباب داخلية في الائتلاف.

لكن وضعنا الفلسطيني المعقد أصلا، والذي تعقَّدت مواده القانونيَّة كون من يملأ منصب الرئاسة في حال شغره هو رئيس المجلس التشريعي، لكن هذا المجلس تمَّ حلّه، وبالتالي لا يوجد نصّ قانوني يبرر التصرف في مثل هذه الحالة.

وظل طريق العمل القانوني والحكومي غير واضح منذ حل المجلس التشريعي ما تسبب بانفلات الحبل على غارب التعامل مع الواقع دون ضوابط في غزة والضفة على حد سواء.

تتأثر إسرائيل حاليًا بحالة من الجدال المستمر والتظاهرات  الكبيرة ضد تغييرات قضائية ينوي نتنياهو وحكومته تمريرها. هل تعلم أن هذه التغييرات متبعة لدينا بل وبالقانون ؟

عودة على بدء، فإنَّه يمكن اختصار المطلوب من اجتماع الفصائل بالآتي:

1-  البدء من حيث تمَّ التوقف، العودة إلى النقطة صفر يعني ذات الفترة من الانقسام .
2-   تشكيل حكومة وحدة وطنية بشكل عاجل ولتكن حكومة طواريء , كل صلاحياتها محددة  كحكومة تسيير أعمال إلى حين الوصول الى انتخابات تشريعية ورئاسية متزامنة وفق جدول زمن واضح.
3-    تشكيل لجنة محدودة وذات صلاحيات كاملة لوضع التفاصيل الدقيقة  اللازمة لرسم الشكل المطلوب للسلطة التنفيذية لدولة فلسطين بدلًا من التشتت الحالي الذي تحكمه قوانين و أنظمة مختلفة .
4-   الاتفاق على العمل التراكمي خطوة بخطوة "Step by Step" على أن لا تؤثر فشل تحقيق نقطة على غيرها .
5-  الاتفاق على منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني مع البدء بإصلاحات واضحة المعالم ومحددة في الوقت والمدة المطلوبة للوصول لذلك .
6-  الابتعاد عن الصيغ الفضفاضة والعموميات , فمن كان واضحًا أراح و استراح ولا بد من صياغات واضحة ومحددة "To the Point"
7-  الابتعاد عن نظرية "حرق الوقت" المستخدمة من كل الأطراف أملًا بتغير ما أو تبدل يطرأ في الإقليم , التجربة علمتنا أن ظفرك هو وحده من سيحك جلدك.

وفلسطين من وراء القصد