وكالات - عقل أبو قرع - النجاح الإخباري - تشهد الكرة الأرضية ونحن جزء منها هذه الأيام ارتفاعا شديدا في درجات الحرارة من المتوقع أن يتواصل ويشكل مؤشرا خطيرا لما هو قادم نتيجة للتغيرات البيئية والمناخية التي تحدث في العالم، حيث ستكون لهذه الارتفاعات آثار وخيمة قصيرة وبعيدة المدى، وبالطبع سوف تكون الفئات الهشة مثل النساء والأطفال وتلك التي تفتقر إلى الخدمات ووسائل الوقاية والمناطق الفقيرة هي الأكثر تضررا.  
ومعروف أن المسبب الأساسي لكل هذه التغيرات هو التلوث البيئي بأشكاله المختلفة ومنها الكيميائي، حيث شد انتباهي تقرير نشر قبل فترة، حول نوعية وكمية المواد الكيميائية التي لها القدرة على الانتقال من خلال المشيمة، من المرأة الحامل إلى جنينها خلال فترة الحمل، حيث إن المراجعة الدورية البحثية سواء الرسمية، أو من خلال مراكز الأبحاث في الجامعات، لمواد كيميائية تستخدم في حياتنا اليومية، تظهر أن هناك مواد كيميائية تتعرض لها المرأة الحامل وبشكل مشترك، أي لأكثر من مادة، تنتقل معا إلى الجنين محدثة آثارا وخيمة طويلة المدى.
وهذه الآثار اكثر تدميرا فيما لو تعرضت المرأة الحامل إلى مادة كيميائية واحدة، وبالأخص أن هذا التعرض له آثار مدمرة على الجهاز العصبي المركزي للجنين، الذي يكون في مراحل تطور ونمو متواصلين وبالتالي إحداث آثار بعيدة المدى ترافق هذه الأجنة بعد الولادة وخلال فترة الحياة، سواء على شكل تشوهات أو اختلالات أو تداعيات نفسية أو حتى على شكل أمراض عضوية مزمنة، لها علاقة بالجهاز العصبي للإنسان، مثل الشلل الرعاش ومرض الباركنسون والاكتئاب وغيرها، وحديثا، بدأت نتائج دراسات تربط بين التعرض إلى مواد كيميائية وبين مرض «التوحد» الذي يؤرق الكثير من العائلات وبشكل مؤلم.
وفي بلادنا، لا عجب إذا شاهدنا النساء يعملن في الزراعة وبالأخص في منطقة الأغوار وهن حوامل، في ظل استخدام مكثف للمبيدات الكيميائية وبأنواعها بالإضافة إلى غير ذلك من المواد الكيميائية، وحسب الإحصاءات الفلسطينية، يعمل في الزراعة حوالي 15% من القوى العاملة، وتشكل المرأة حوالي 40% من القوى العاملة في الزراعة، وفي أحيان عديدة تكون المرأة إما حاملا أو مرضعة أو تعتني بالأطفال، وتتعرض المرأة العاملة في الزراعة إلى المبيدات الكيميائية، سواء خلال تحضير المبيد، أو خلال الرش أو حتى خلال عملية قطف المحصول، أو من خلال ممارسات يومية أخرى.
وفي الغالب، تنتقل المواد الكيميائية من الأم إلى الجنين مع المواد الغذائية والأملاح من خلال المشيمة، ويعتمد مدى انتقالها على نوعية المواد الكيميائية ومقدار التعرض لها وكذلك أسلوب دخولها إلى الجسم. وهناك عدة أنواع من المواد الكيميائية التي تتعرض لها النساء الحوامل من خلال وسائل متعددة، وبالتالي احتمال انتقالها وتأثيرها على الجنين في مراحل تطوره المختلفة، ومن ضمن ذلك الهواء الملوث، حيث حسب تقرير صدر عن منظمة الصحة العالمية، فإن تلوث الهواء يؤدي إلى وفاة 7 ملايين شخص سنويا، ويضر مليارات البشر، كما أن تلوث الهواء داخل المساكن يشكل العامل الرئيس للوفاة في المنازل الريفية والحضرية الفقيرة، ويسبب حوالي ثلث الوفيات الناجمة عن السكتة الدماغية وسرطان الرئة وأمراض القلب، هذا بالإضافة إلى الأمراض المزمنة بأنواعها.
وتصل المواد الكيميائية إلى الأم الحامل من خلال الفم أو الجلد، أو الاستنشاق، سواء من خلال الطعام، الشراب، الهواء أو التعرض المباشر للجلد، وهناك دراسات عديدة منشورة تظهر أن العديد من المبيدات وخاصة الأشد سمية مثل المبيدات الفسفوروعضوية والكارباميت ومنها مستخدم في بلادنا تنتقل إلى الأجنة خلال فترة الحمل، وبما أن معظم هذه المبيدات سام من خلال تأثيره على الجهاز العصبي، وخاصة تثبيط الأنزيمات التي تؤدي إلى الإرباك، فالشلل، فالموت حسب شدة التعرض ونوع المبيد، وأن تأثير هذه المبيدات على الأجنة قد يكون وخيماً، وذا آثار بعيدة المدى تتمثل في إحداث تشوهات خلقية، وإحداث اضطرابات سلوكية أو حتى إحداثها تغييرات في جنس الجنين وما إلى ذلك.
وبعيدا عن التلوث فإن المرأة تتعاطى أدوية خلال فترة الحمل، وحسب التركيبة الكيميائية، قد تنتقل هذه الأدوية من الآم إلى الجنين، وهناك أمثلة عديدة على أدوية تنتقل من خلال المشيمة، وقد لا يكون للدواء آثار جانبية على الأم التي تأخذه، ولكن، بفعل النمو المتواصل وخاصة للأجهزة العصبية للجنين، فقد تتداخل هذه الأدوية خلال عملية تبلور الجهاز العصبي وأي أعضاء أخرى، ويؤدي ذلك في غالب الأحيان إلى إحداث التخلف العقلي، التشوهات الخلقية وأمراض مزمنة بعيدة المدى.
وبالنسبة للمرأة الحامل المدخنة، يتم امتصاص النيكوتين من خلال الدم، وبالتالي ينتقل من خلال المشيمة إلى الجنين، وبما أن النيكوتين مادة تحث مفعولها من خلال الجهاز العصبي،  فإن انتقالها إلى الجنين ومن ثم إلى جهازه العصبي قد تكون له مضاعفات خطيرة، وهناك دراسات على الفئران أثناء الحمل أظهرت وبوضوح انتقال النيكوتين إلى الجنين وتأثيره على عمل الإنزيمات وعلى النمو الطبيعي للجنين، وكذلك على السلوك المستقبلي للجنين، وهذا ما يحدث كذلك بفعل انتقال مادة «الأثيانول» للمرأة التي تتعاطى الكحول، أو إحدى نواتج آيضها إلى الجنين، وما لذلك من تلاعب في عملية تطوير وبناء أجهزة الجنين.
وفي خضم ذلك، فإن التركيز يتم ليس على تبيان مدى تأثير الكيماويات أو تحولاتها منفردة على الجنين، ولكن على مدى تأثير التعرض المشترك لأكثر من مادة كيميائية، وهذا أمر طبيعي في الحياة اليومية، حيث يمكن أن تتعرض المرأة الحامل إلى مبيدات من خلال الطعام أو الشراب، إلى مادة النيكوتين من خلال التدخين، وكذلك تتعاطى أدوية، ويمكن أن تنتقل هذه المواد إلى الجنين بشكل مشترك محدثة آثارا غير متوقعة على الإطلاق، حيث يمكن أن تؤدي في نفس الوقت إلى التأثير على نفس الأنزيمات أو أنزيمات مختلفة ذي علاقة متشابكة محدثة في المحصلة عواقب غير متوقعة على الأم والجنين، وظهور أمراض خلال فترة حياة المولود، يكون من الصعب فهم أسبابها أو العوامل التي أدت إليها.