وكالات - هاني عوكل - النجاح الإخباري - يراهن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على تحقيق العديد من الإنجازات في الفضاء الأوراسي، وهي إنجازات اقتصادية وسياسية يمكنها أن توفر مظلة آمنة لروسيا التي يتجنبها الغرب الأوروبي ويطوقها مع الولايات المتحدة بعقوبات كثيرة.
قبل يومين من كتابة هذا المقال، كان بوتين يجتمع مع نظرائه في المجلس الاقتصادي الأوراسي الذي يضم روسيا وبيلاروسيا وأرمينيا وكازاخستان وقرغيزستان، بهدف تنمية وتطوير آفاق التعاون الاقتصادي بين هذه الدول وتفعيل آليات السوق المشتركة والتبادل التجاري.
الرئيس الروسي يرى في هذا الاتحاد أهمية قصوى، كونه يعتبر المتنفس الاقتصادي لموسكو بعد العقوبات الصعبة التي فرضها الغرب عليها بسبب الحرب التي شنتها على أوكرانيا في شباط العام 2022، والتي أنتجت معادلة جديدة تتعلق بفكاك أوروبا الغربية تدريجياً من الاعتماد على الطاقة التقليدية الروسية.
تحتاج موسكو إلى تأمين احتياجاتها الاقتصادية في ضوء العقوبات الدولية عليها، وبالفعل لجأت إلى جيرانها في المحيط الأوراسي، وتجاوزت هذا الإطار إلى فضاءات أوسع تضم منظومة شنغهاي وبريكس وأميركا اللاتينية والقارة الإفريقية ودول الشرق الأوسط.
صحيح أن المدخل للاتحاد الأوراسي هو في الأساس اقتصادي، والهدف منه ضمان حرية الحركة التجارية في فضاء الاتحاد والتعاون المشترك في قطاعات الطاقة والأمن الغذائي وتطوير مسار يتضمن التمكين في التكنولوجيا المتقدمة، لكن كما هو حال العديد من الاتحادات السابقة التي أخذت المسار الاقتصادي ونتج عنه بالضرورة تعاون استراتيجي وتوافقات سياسية، لا يبتعد الاتحاد الأوراسي عن هذا الهدف.
من المهم ملاحظة أن عمر الاتحاد الأوراسي جديد قياساً بالاتحاد الأوروبي مثلاً، إذ جاء الإعلان عن الأول بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم العام 2014، وقيام الدول الغربية بشن حصار اقتصادي على موسكو، تبعه بداية مسلسل الطلاق مع أوروبا الغربية.
حينذاك ربما أدرك بوتين أن الصدام مع الغرب سيحدث لا محالة، وبالتالي وجد ضالته في حلفائه الأوراسيين، ما دفعه لتشكيل هذا الاتحاد من أجل حماية الاقتصاد الروسي أولاً وثانياً توسيع شبكة الحلفاء في القارة الأوروبية واستعراض القوة الروسية في حديقتها الخلفية.
طبعاً لا يمتلك هذا التكتل الاقتصادي - الاتحاد الأوراسي - عصا سحرية لتأمين الاحتياجات الاقتصادية لموسكو، ويفتقر إلى الإمكانات التي تجعله ينافس الاقتصادات الغربية كالاتحاد الأوروبي، لكن تبرز أهميته في أن روسيا هي الأب والأم للتكتل الأوراسي وستحاول عن طريقه فتح منافذ جديدة لتسويق كل منتجاتها العسكرية والتجارية وكذلك فتح الباب أمام حركة العمالة الروسية في الفضاء الأوراسي.
من الوارد جداً أن تسعى موسكو إلى تعزيز التعاون السياسي والعسكري مع دول التكتل الأوراسي، كما تفعل الآن مع حليفتها بيلاروسيا، وستبذل كل جهد ممكن لتوفير الحماية لهذه الدول سواء على صعيد القلاقل السياسية الداخلية أو على صعيد أي تهديد خارجي.
في هذا الإطار، يمكن الاسترشاد بنموذج روسيا البيضاء التي تجسّد العلاقات الاستراتيجية مع الاتحاد الروسي، إذ وقّع الرئيس بوتين قبل حوالي شهرين مرسوماً خاصاً يقضي بنشر قدرات نووية في بيلاروسيا، على أن تكون تحت السيطرة الروسية.
بالفعل، أكملت جميع الوثائق اللازمة ووضعت الترتيبات بين موسكو ومينسك لنشر أسلحة نووية ونقل أسلحة تكتيكية في مخازن خصصت لهذا الغرض، وتدريب طيارين بيلاروس على استخدام السلاح النووي وتحديث الطائرات التي يمكنها حمل الرؤوس النووية.
يفهم من هذا الإجراء أن روسيا تريد أن تقول للغرب والولايات المتحدة إنها ليست وحدها ولا يمكن استبعادها من خارطة المشهد العالمي ولا يمكن أيضاً دفعها إلى الهاوية، وهي قادرة على صياغة تحالفات استراتيجية في المحيطين الإقليمي والدولي تضمن تفوقها كقطب مهم ومنافس للولايات المتحدة.
في هذا الإطار، يدفع الرئيس الروسي بالاتحاد الأوراسي لأن يكون نواة شراكة سياسية وعسكرية قريبة من حلف وارسو الذي تشكّل أيام الاتحاد السوفيتي، لكن بفارق أن بوتين يدرك أن أي انتصار في حرب باردة مع الغرب يتطلب وضع خطة علاجية لتحسين الاقتصاد وتحقيق التنمية بمفهومها الشامل على المستوى الروسي الداخلي وفي المظلة الأوراسية.
من المحتمل أن تنضم دول أخرى إلى هذا الاتحاد في المستوى القريب، وربما يلجأ بوتين إلى استثمار التكتل الأوراسي لتعزيز نفوذه في أوروبا الشرقية، لكن بطريقة ذكية تجعل من معالجة القضايا الاقتصادية على المدى القصير مدخلا مربحا لجني الثمار السياسية على المدى الطويل.
ليس هذا فحسب، بل يسعى الرئيس الروسي لتعزيز شبكة التحالفات مع دول كثيرة خارج أوروبا الشرقية من أجل تخفيف أعباء الحصار الاقتصادي المفروض عليه، خصوصاً أن موسكو تدرك أنها في مواجهة مباشرة مع أوكرانيا وغير مباشرة مع الولايات المتحدة وأوروبا الغربية.