وكالات - مهند عبد الحميد - النجاح الإخباري - «ماذا تقول، إذا احتفل المجتمع الدولي بيوم تأسيس بلدك باعتباره كارثة .. يا له من عار»
جلعاد أردان مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة.
جاء قوله رداً على قرار الجمعية العامة بإحياء الذكرى 75 لنكبة الشعب الفلسطيني الذي صدر بتاريخ 30/11/2022. ويدعو الى إحياء فعالية يوم 15 أيار 2023  في مقر الأمم المتحدة. ويطلب القرار من شعبة حقوق الفلسطينيين بالأمانة العامة، تكريس أنشطتها في عام 2023 لإحياء الذكرى الخامسة والسبعين للنكبة، بما في ذلك إقامة حدث رفيع على المستوى الرسمي في قاعة الجمعية العامة في 15 مايو/ أيار الجاري. وتمت دعوة جميع أعضاء الأمم المتحدة ومراقبيها لحضور الحدثين، إضافة إلى المنظمات الحكومية الدولية ومنظمات المجتمع المدني وكذلك الجمهور. وصدرت في الوقت ذاته أربعة قرارات عن الجمعية العامة بعناوين: تسوية قضية فلسطين بالوسائل السلمية. برنامج اعلامي خاص من قبل إدارة شؤون الاعلام بالأمانة العامة حول القضية الفلسطينية، اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف، وشعبة حقوق الفلسطينيين بالامانة العامة.
يوم 15 أيار/ مايو من كل عام يحتفل الإسرائيليون بـ «استقلالهم» وهو اليوم ذاته الذي يحيي فيه الفلسطينيون ذكرى مأساتهم المسماة نكبة، حيث طرد بقوة السلاح نحو مليون مواطن فلسطيني ودمرت 530 قرية ومعظم المدن وارتُكبت  بحق بعضهم مجازر وجرائم حرب وارهاب منقطع النظير طال شعباً بكامله.  مفارقة تختصر الصراع الفلسطيني الإسرائيلي المستمر والأطول في تاريخ الصراعات، والذي يمكن تلخيصه بعبارة «على أنقاضكم نحيا». على أنقاض فلسطين تحيا إسرائيل.
    أخيراً وبعد سبات استغرق 75 عاماً، استيقظت المنظمة الدولية على واقع المأساة الفلسطينية التي تستمر فصولها دون توقف حتى يومنا هذا. لا شك في أن هذا القرار حافل بالمعاني المهمة، فإذا ما جرى قراءة القرار بعيداً عن الاحتفال، وعن اعتباره قراراً يضاف الى مئات القرارات السابقة التي تحولت الى الارشيف، وبعيداً عن اللغة البيروقراطية ومفاعيل الهيمنة الاميركية، ينطوي هذا القرار على اعتراف هيئة الأمم المتحدة رسمياً وبدون مواربة، بنكبة الشعب الفلسطيني، وهي المؤسسة التي تجاهلت النكبة طوال 74 سنة، تأسيساً على قرار عصبة الأمم بإجازة انتداب فلسطين على قاعدة وعد بلفور. وكي نذهب الى أبعد من احتفال يجدر التوقف عند جذر التجاهل الدولي الذي ورد في كتاب التطهير العرقي للمؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه.  
- سمحت بريطانيا بحدوث التطهير العرقي، ودعمت بناء المؤسسات الصهيونية سيما الأمنية وشجعت الهجرة  اليهودية بغطاء من الأمم المتحدة. وساهم الموقف الدولي في تمرير ومحو جريمة التطهير العرقي من الذاكرة العالمية، عندما لم يعترف بها كحقيقة تاريخية وجريمة ضد الانسانية يجب مواجهتها سياسياً واخلاقياً، ولم يحاول محاكمة المتهمين بارتكاب مجموع جرائمها منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم.
- الموقف الدولي آنذاك لم يحترم ميثاق الأمم المتحدة وقرار التقسيم رقم 181، وخطة السلام لحل الصراع - تخلت الامم المتحدة عن الشعب الفلسطيني ووضعت مصيره تحت رحمة غطرسة القوة الصهيونية وايديولوجيتها النافية لكل حق فلسطيني.  
- لم تعترض الامم المتحدة على الضم الإسرائيلي اللا قانوني للأراضي المخصصة للدولة الفلسطينية لم تحترم قراراتها، ولم تنشر تقارير المراقبين الدوليين عن التطهير.
- بعد مرور عام على التطهير ومصادرة الأراضي المخصصة للدولة الفلسطينية كوفئت إسرائيل باعتراف الجمعية العمومية بها. وظلت الأمم المتحدة تتبنى الخطاب حول قضية اللاجئين باعتبارها قضية إنسانية مجهولة الفاعل وكأن الضحية هي المسؤولية عن هذه الجريمة.  وبرغم تطور الموقف الدولي عبر مئات القرارات لصالح الشعب الفلسطيني، ولكن من الناحية العملية ظلت اسرائيل دولة فوق القانون تحت الحماية الاميركية ودول أخرى كبريطانيا وألمانيا.  
التجاهل الدولي وثيق الصلة بالإنكار والرفض الإسرائيلي المطلق للاعتراف بالنكبة وعدم الاستعداد الثابت لتحمل أي مسؤولية قانونية او اخلاقية عن التطهير العرقي والنكبة. بل يوجد اجماع اسرائيلي يحظر نقاش حق العودة وقد أقر الكنيست قانوناً يؤكد ذلك. وفي السياق قامت إسرائيل بمحو تاريخ شعب من اجل كتابة تاريخ شعب آخر، وبمحو رواية تاريخية وإشاعة أخرى، تحدثوا عن طرق توراتية لكنها في الواقع هي طرق فلسطينية، ومارسوا استخفافاً متعجرفاً بالرأي العام العالمي. وفي المحصلة فإن الايديولوجيا المهيمنة التي محت وأنست الاسرائيليين جريمة التطهير العرقي ما زالت قائمة ومحتفظة بممارسة ألوان من التطهير العرقي. وما لم يتم تعريف الأيديولوجيا التي لا تزال تحرك السياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين والاشتباك معها على قاعدة القانون الدولي، ما لم تقم الجمعية العامة والهيئات ذات الاختصاص بالاشتباك مع التنكر الإسرائيلي، عبر الاعتراف الدولي الصريح بجرائم التطهير العرقي وبالنهب والقرصنة والمحاسبة عليها تنفيذا للقانون الدولي، وبالتالي دفع إسرائيل الى الاعتراف بالنكبة  والتطهير العرقي ونتائجه، بدون ذلك فإن جميع محاولات حل الصراع سيكون نصيبها الفشل.
قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة هو اعتراف موارب بالنكبة له قيمة معنوية وسياسية في هذه اللحظة السياسية التي يجري فيها وضع القضية الفلسطينية في الإدراج عبر صفقة القرن والاتفاقات الابراهيمية وغيرها. ولكن إذا لم يقترن الاعتراف بعمليات تصويب للموقف الدولي المتماهي مع الغطرسة الإسرائيلية. ويبدو ان القوى المهيمنة ترفض الاعتراف بالنكبة وتحصيل حاصل ترفض التصويب المنشود. والدليل على ذلك هو تصويت 30 دولة أبرزها الولايات المتحدة صاحبة الفيتو شبه الدائم ضد الحقوق الفلسطينية المشروعة ومع الغطرسة الإسرائيلية، وبريطانيا المسؤول الأول عن نكبة الشعب الفلسطيني.
العنصر الحاسم في تغيير الموقف الدولي هو الموقف والجاهزية الفلسطينية الذي يحتاج الى انتفاضة من داخل وخارج المؤسسات الرسمية بهدف إعادة تنظيم ومشاركة القطاعات الواسعة من الشعب الفلسطيني داخل وخارج فلسطين في النضال من اجل تقرير المصير وتلبية الحقوق المشروعة غير القابلة للتصرف. وفرض تراجعات إسرائيلية في مجال النهب والمصادرة والاستيطان والقرصنة والتطهير العرقي في القدس  و60% من أراضي الضفة الغربية. ان هذا يستدعي الانتقال من بنية قديمة الى بنية حديثة، ومن العمل ضمن المحاور والارتهان لأجنداتها الى العمل المنحاز للمصلحة الوطنية العليا ولاحتياجات السواد الأعظم من الشعب الفلسطيني.لا يكفي إحياء ذكرى النكبة في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، ولا يكفي الإحياء في مقر جامعة الدول العربية في القاهرة. ولا يكفي مقاومة يعقبها هدنة أو هدوء مقابل هدوء. المطلوب خدمة أهداف وطنية وتحقيقها. وسيجد الشعب الفلسطيني شعوباً وأصدقاء يدعمون مطالبه المشروعة، بعد أن ضاقوا ذرعاً بالجرائم والابتزازات الإسرائيلية.