وكالات - رامي مهداوي - النجاح الإخباري - لا أعرف كيف أكتب مقدمة هذا المقال؟! التفاؤل... الإيجابية.. الإحباط والسلبية، أو حالة الذل التي وصلنا اليها، أفكار كثيرة مشوشة متداخلة في بعضها البعض، لأن المشهد الذي عشته بعُمر زمني ما يقارب 6 ساعات ونصف على حاجز الاحتلال الإسرائيلي في منطقة المُعرّجات بأريحا ثالث أيام عيد الفطر جعلني أنظر الى الأمور وأتعامل معها بناءً على التجربة في ظل ضغوطات الحياة بزمن الاحتلال.
بعد قضاء وقت ممتع مع العائلة _متمثل بالشواء والسباحة وألعاب الأطفال_ بأحد متنزهات أريحا، تبدأ رحلة جديدة، بالتأكيد هي رحلة عذاب ومشقة، فجيش الاحتلال نصب حواجز عسكرية على كافة مداخل أريحا وأعاق حركة المواطنين.
نعم رحلة معاناة متمثلة بأن تقضي كل الوقت الذي ذكرته محتجزاً داخل سيارتك ومعك طفلتان لهما احتياجات كثيرة دون أن تستطيع الإجابة على أسئلتهم وتعليقاتهم الكثيرة المتكررة: "ليش واقفين؟"، يلا امشي "شكلنا بدنا ننام بالسيارة"، "ليش طافيين السيارة.. شغلها"، "وين راح أعمل نونو؟!"، "بدنا نشرب.. بدنا أكل".
مشاهد مختلفة تدور في فلكي، عائلتي داخل السيارة، مئات السيارات، حاجز الاحتلال الإسرائيلي، "أكثر من طوشة" بسبب محاولة البعض تجاوز السيارات، شباب يوزعون الماء، أقف خارج السيارة لإشعال سيجارة وأتحدث مع بعض الشباب، نقرر أن نقوم بحملة "تزمير" للسيارات كي نُعلن حالة الغضب التي وصلنا لها، للأسف يستجيب عدد قليل لا يُذكر من السائقين والأغلبية لا يكتفون بالرفض وإنما أطلقوا عبارات علينا أقلها بأننا مجانين!!
أعود الى السيارة، أطلب من طفلتيَّ _محار وميرياما_ الخروج من السيارة لتغيير الأجواء قليلاً، نتمشى بين السيارات، أضعهم على حافة الطريق ونغني (وين ع رام الله .. وين ع رام الله.. وأنت يا مسافر وين ع رام الله ما تخاف من الله... كويت قليبي ما تخاف من الله) عدد من الشباب المتواجدين بجانبنا يتفاعلون معنا، أصور صورة عائلية "سلفي" للذكرى داخل السيارة وخارجها؛ أنشر صورة على حسابي في "الفيسبوك".
أن تحافظ على هدوء الذات في مثل هذه الظروف هو أول خطوات الانتصار على عنجهية الاحتلال ومحاولته إذلال العائلات التي جاءت للتنزه والسياحة الداخلية، أنا مقتنع بأن أدواتنا النضالية في ظل هذه الظروف يجب أن تكون إبداعية، خصوصاً على الصعيد الإنساني ونقل الوقائع كما هي دون أي "بهارات"، لأن الحقيقة يجب أن تكون كما هي دون كذب، ليعلم العالم حقيقة المعاناة التي نعيشها بشكل يومي.
بالتأكيد الموضوع ليس فقط احتجاز آلاف المواطنين لمدة طويلة، وإنما هي إحدى المحاولات التي يقوم بها الاحتلال من أجل أن يكفر الفلسطيني بقضيته وعدالتها، وضرب مكونات كثيرة على يد جنود يقفون على حاجز عسكري؛ عزل منطقة أريحا والأغوار، هزيمة الشعب معنوياً، ضرب السياحة الداخلية وأثره اقتصادياً، تركيع الأسرة الفلسطينية ومحاولة إظهارها بأنها ضعيفة لا تستطيع حماية ذاتها.
أكثر شيء أحزنني في رحلة المعاناة، ليس فقط من لم يقُم بالتزمير وإنما من اتصل بي أو أرسل رسائل ليطمئن ويقول لي "شو موديكم أريحا؟"، "مجانين تروحوا أريحا"، "في عاقل بروح أريحا"، بالتالي نحن أصبحنا ننساق بداخلنا لرواية الاحتلال بشكل غير مباشر بأن نقاطع التواصل بالمناطق التي يريد أن يخنقها ليعلن الوفاة بشكل بطيء.... حذارِ من الوقوع بهذا الفخ!!