النجاح الإخباري - كتب المحامي علي أبو حبلة تقريرًا يقول فيه:

قانون الضمان الاجتماعي من متطلبات التنمية الاقتصادية المستدامة ومطلب اجتماعي فلسطيني؛ لتحقيق العدالة الاجتماعية بين جميع أفراد المجتمع، وحين شرعت  حكومة الوفاق الوطني الفلسطيني برئاسة الدكتور رامي الحمد الله قبل تقديم استقالتها، بتطبيق قانون الضمان الاجتماعي، هدفت إلى تحقيق  نصّ المادة 22 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، على أنَّ لكلّ فرد من أفراد المجتمع الحق في الضمان الاجتماعي، وواجب توفير ما يحتاجه عن طريق الدَّولة التي يقيم بها، حيث يجب على كلّ دولة تنظيم مواردها لضمان توفير الحقوق الاقتصادية، والاجتماعية الضرورية لكرامة الإنسان، وتنمية شخصيته كعضو فعَّال في المجتمع.
وقد عرّف الضمان الاجتماعي على أنَّه مجموعة البرامج التي تقوم بها الحكومة، أو الفئة المسؤولة في مجتمع ما، من أجل تعزيز رفاهية السكان، ويتم ذلك عن طريق اتّخاذ التَّدابير اللازمة التي تضمن حصولهم على ما يلزمهم من موارد غذائيَّة، ومأوى، وخدمات صحيَّة، وحماية، وأكثر المستفيدين من خدمات الضمان الاجتماعي هم الأطفال الصغار، والكبار في السّن، والمرضى، بالإضافة إلى العاطلين عن العمل، وعادةً ما تعرف الخدمات التي يقدمها الضمان الاجتماعي بالخدمات الاجتماعية.

 ويشمل مفهوم الضمان الاجتماعي التعريفات التالية:
-  التأمين الاجتماعي: والذي يوفّر المنافع والخدمات التي تشمل رواتب التَّقاعد، والتَّأمين ضد العجز، وتعويضات البطالة.

 - الخدمات: وهي الخدمات التي تقدّم من خلال الحكومة، أو الهيئات المسؤولة عن توفير الضمان الاجتماعي، مثل: تقديم الخدمات الطبيَّة والدعم المالي، كتعويضات إصابات العمل، بالإضافة إلى الصّحة، وجوانب العمل الاجتماعي.
- خدمات الضمان الاجتماعي: للضمان الاجتماعي أهمية كبيرة في كل البلدان والمجتمعات؛ وذلك نظرًا للخدمات التي يقدّمها للفرد والمجتمع ككل.

ومن أبرز هذه الخدمات:

-تقديم راتب مالي شهري للأفراد العاملين المشتركين بالضمان الاجتماعي عند تقاعدهم.
 -تقديم تعويض مالي للأفراد عند حالة البطالة، أو عدم القدرة على العمل لأيّ سبب من الأسباب، مثل: الإعاقة، أو المشاكل الصحيَّة المزمنة.
 -توفير الحماية الاقتصادية لجميع العاملين، وخصوصًا عند الوصول لسن الشيخوخة، ولم يعودوا قادرين على العمل.
- توفير راتب شهري للأسرة التي توفى أحد أفرادها المشتركين بالضمان الاجتماعي؛ ليتمكنوا من العيش بكرامة بعد وفاته.
 -توفير الوظائف للعاطلين عن العمل من خلال استحداث المشاريع، أو البحث عن فرص عمل لهم.
و قانون الضمان الاجتماعي الذي أقرته حكومة الوفاق الوطني الفلسطيني قبل استقالتها، كان من ضمن مجموعة القوانين التي صدرت بمراسيم اشتراعية رئاسية أعدتها الحكومة، وصادق عليها الرئيس محمود عباس  بموجب الصلاحيات الممنوحة له في ظلّ غياب السلطة التشريعية. 

هناك العشرات من القوانين تمَّ التوقيع عليها وتمريرها، وإن كان هناك من  اعتراضات يتم تعديلها و لم تصل للحدّ الذي وصل الاعتراض عليه على قانون الضمان الاجتماعي، ولم نشهد مظاهرات أو اعتصام على العديد من القوانين التي صدرت بمراسيم رئاسية.
 وهنا يبرز السؤال عن سر الاعتراض على قانون الضمان الاجتماعي من قبل بعض المتنفذين، وأصحاب المصالح والأجندات الخاصة؛ لأنَّ بعضهم بات يخشى حقًا من الشروع في تنفيذ قانون الضمان الاجتماعي، وهذا عده البعض إنجازًا يسجل للحكومة، وهو أمر لا يتوافق ومصالح هذا البعض ومصالحه، علمًا أنَّ قانون الضمان الاجتماعي لو كتب له النجاح، وبدء تنفيذه لأصبح رافعة للاقتصاد الوطني الفلسطيني. 
 هذا مع العلم أنَّ أصواتًا كانت قد تعالت قبل إقرار القانون بضرورة إنجاز القانون الذي شرع في إعداده في 2013 مطالبين بضرورة الإسراع بإقراره وتطبيقه؛ لتحقيق العدالة الاجتماعية لجميع أفراد المجتمع الفلسطيني،لكن الاحتجاجات التي حصلت بعد إقرار القانون والشروع بتنفيذه، حملت في طياتها الكثير من التساؤلات!

 وما زالت موضع تساؤلات غالبية المواطنين، وخبراء الاقتصاد، والمحللين عن أسباب ومسببات التَّحفظ على القانون، إثر الاحتجاجات والتظاهرات التي اكتست طابع التّسييس والتي دعا إليها ما أطلق عليه الحراك الرافض للقانون، وكانت تحرّكه أيدٍ متنفّذه، كانت وراء الحراك وتسيّره عبر غرفة عمليات؛ لإسقاط القانون تحت الضغط الشعبي. 

جاء قرار الرئيس محمود عباس على هيئة "قرار بقانون"، أي أنَّه قرار بقوة القانون، بوقف نفاذ قانون الضمان الاجتماعي الصادر عام 2016 وتعديلاته، ونصَّ القرار على استمرار الحوار بين جميع الجهات ذات العلاقة من أجل الوصول إلى توافق وطني على أحكامه وموعد إنفاذه.

ويذكر أنَّ  قانون الضمان الاجتماعي صدر بقرار من السيد  الرئيس محمود عباس، وأقرَّته الحكومة عام 2016، وكان من المفترض أن يفعّل مطلع نوفمبر/تشرين الثاني، لكن الاحتجاجات والتَّظاهرات حالت دون تنفيذه، وجاء القرار الرئاسي بعد توصية من اللجنة المركزية لحركة فتح بتجميد القانون. 

في 28 يناير 2019، جمّد الرئيس محمود عباس القرار بقانون الخاص بالضمان الاجتماعي بعد توسع دائرة الاحتجاج عليه، لكن منذ ذلك الحين لا يبدو أنَّ السلطة الفلسطينية قد تخلَّت نهائيًّا عن القرار الذي كان من المفترض أن يدخل حيز التنفيذ بتاريخ 13 نوفمبر، بعد حوالي عامين على صدوره، وإنّما قامت بتجميده لحين البت في الملاحظات التي أثيرت حوله من قبل مؤسسات حقوقيَّة، وخبراء اقتصاديين، والقطاع الخاص، وغيرها من الجهات ذات العلاقة.

ويرى الباحث في الشأن الاقتصادي د. سمير عبد الله، أنَّ "وقتًا طويلًا تمّ تضييعه قبل تطبيق قانون الضمان الاجتماعي؛ لأنَّه ليس من المعقول أن تبقى فلسطين هي الدولة الوحيدة في العالم التي لا يوجد بها قانون ضمان اجتماعي، وحتى الحملة الاحتجاجيَّة على القانون، لم تكن بريئة، وأشبه بمؤامرة، كانت تقف خلفها أجندات ومصالح خاصة، ولذلك من المهم اليوم أن نذّكر العمال بضرورة وجود قانون يحميهم، وقد برزت الحاجة لمثل هذا القانون في فترة انتشار جائحة كورونا، وكلما تم تطبيقه بشكل أسرع، كانت الأمور أفضل. 

ويضيف عبد الله لـ "صحيفة الحدث" أنه "لا يوجد قانون في العالم خال من السلبيات، وعادة ما يتم تعديل القوانين بعد تجربتها، وكان من الممكن تمرير القانون ومعالجة الملاحظات التي تعتريه وتنتج من خلال التجربة في فترة أقل من عام، ولم تكن هناك أصلًا حاجة لتعطيله، ويفترض أن تعمل الطبقة العاملة على الدفع باتجاه إقرار القانون بما يضمن وضع آلية تطبيق مناسبة تلائم ظروف العاملين، وأصحاب العمل، وتنهي العوائق  كافة، التي كان يجري الحديث عنها سابقًا".

ويوضح الباحث في الشأن الاقتصادي، أنَّ "هناك نصًا واضحًا في اتفاق باريس الاقتصادي بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، يشير إلى أنَّ الأخيرة مستعدة لتحويل أموال ورواتب العمال الفلسطينيين لديها بشرط وجود مؤسسة ضمان اجتماعي، وهذه الأموال مهمَّة جدًا؛ لأنَّها سوف تستخدم في الاستثمارات كما في كل دول العالم، ولا تبقى أرصدة في صناديق جامدة، ودائما ما كانت صناديق الضمان مقرضًا مهمًّا لتطوير البنى التحتية، والمشاريع الإنتاجية التي تعمل على تشغيل القوى العاملة، ومن المهم التأكيد على أنَّ صندوق الضمان يجب أن يكون صندوقًا خاصًا، ولا يدمج بالصندوق القومي على الأقل في المرحلة الأولى؛ وذلك من أجل الحصول على ثقة العمال".

وتابع عبد الله قائلًا: إنَّ "العمال بحاجة إلى أن تتم طمأنتهم بأنَّ أموالهم لن تذهب هدرًا، ولن يتم استغلالها والتَّصرف فيها، والقانون يمنع التَّصرف فيها دون أن يكون هناك تصرف رشيد بما يكاثر هذه الأموال، ولا يتسبَّب في نقصانها؛ لذلك من المهم أن يقتنع العمال بأهميَّة الضمان الاجتماعي وتحويل أموالهم إلى السوق الفلسطينية للتنميَّة والتطوير التي يمكن أن يستفيد منها المجموع.

والضمانات المتوفرة في هذا السياق هي المرتبطة بالقانون، وليست الوعود الحكوميَّة، وبالتالي فإنَّ الأصل أن يتم التعامل مع هذه الأموال ضمن نطاق القانون، ولا أعتقد أنَّ الحكومة ستكون قادرة على المساس بصندوق الضمان الاجتماعي، والضمانات في حال اختراق القانون هو الشارع، فمثلًا في ألبانيا بسبب المساس في أموال الضمان، تغيّرت الحكومة نهائيًّا، وأجزم أن لا سلطة تلجأ لمغامرة تتمثَّل بالمس بأموال الضمان الاجتماعي سواء للعاملين في إسرائيل أو محليًّا".

يؤكد الأمين العام لاتحاد نقابات عمال فلسطين شاهر سعد "بحديثه لصحيفة الهدف "، على "وجود لجنة عمل فيما يتعلق بالضمان الاجتماعي، يمكن وصفها باللجنة الاستكشافية، مهمّتها دراسة كلّ الملاحظات التي أوردها القانونيون أو الاقتصاديون وغيرهم من الجهات ذات العلاقة، وستنشر النتائج التي تتوصل لها اللجنة للجمهور، ولا يمكن أن تبقى فلسطين دون ضمان اجتماعي، وهذه القناعة تعزَّزت بعد أزمة كورونا، وما رافقها وتبعها من تعطل للعمل، ولم تتم مساعدة العمال كما يجب إلا في بعض المؤسسات الضخمة التي لديها إمكانيات ضخمة، وحتى هذه الشركات لم تمنح العامل استحقاقاته كافّة، وآن الأوان لكي يكون هناك تفكير جدي بوجود ضمان اجتماعي".

ويضيف سعد في مقابلة مع "صحيفة الحدث"، أنَّ هناك ممثلين عن الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين يشاركون في الاجتماعات التي تعقدها اللجنة الاستكشافيَّة، ويقدمون موقفًا بخصوص مختلف القضايا المتعلقة بالقانون، وخاصة نسب الاقتطاع، وكيفيّة التنفيذ، وأشكال الاستفادة من موضوع الضمان، وما هي الخطوات التي سيجري تطبيقها، وغير ذلك من الأمور التي تهم العمال بالدرجة الأساس.

 ونحن جهة فاعلة في النقاش، وفي النهاية قرارنا سيكون بناء على المخرجات النهائية، وسنحدد ما إذا كانت النتائج لصالح العمال أم عكس ذلك، ولن نسمح باستغلالهم كما جرى سابقا".
ويشدّد الأمين العام لاتحاد نقابات عمال فلسطين، على أنَّ "العمال كانوا الفئة الأكثر تضررًا خلال الفترة الماضية، وقد آن الأوان لكي تكون لديهم حقوق كما غيرهم، وحتى أصغر دول العالم لديها نظام للتأمينات الاجتماعية، وكلّ الدول المحيطة بفلسطين لديها أنظمة متطورة لقانون الضمان الاجتماعي، وهذه المرة هناك مشاركة من قبل القطاع الخاص وممثلين عن الاتحاد العام لنقابات العمال ومنظمة العمل الدولية أيضا لها دور، وهذه المشاركة الواسعة هدفها تطوير القانون بحيث يصبح أكثر إنصافًا".

وبحسب سعد، فإنَّ "القطاع الخاص هذه المرَّة موقفه متقدم، ولديه استنتاجات مهمة أنتجتها فترة انتشار جائحة كورونا، وأصبح على قناعة بأنَّ هناك حاجة ملحَّة لقانون ضمان اجتماعي، ومن المتوقع ألا يكون في موقف المعارض للقانون، كما كان الأمر سابقًا، وهذا لا يعني عدم وجود بعض المواقف المعارضة من جهات معينة، ونحن نعمل على دراسة كل الخيارات المتاحة حتى لا يتم تخريب عملية تمرير قانون الضمان الاجتماعي، وهناك فهم مشترك بأنَّ وجود صندوق ضمان اجتماعي أصبح مصلحة مشتركة للعامل وصاحب العمل".

وإذا ما عدنا إلى تصريحات رئيس حكومة الوفاق  الوطني رامي الحمد الله، وقوله إنَّ حكومة الوفاق قبل تقديم استقالتها، لم تغلق باب النقاش بخصوص تعديل بنود في قانون الضمان الاجتماعي، وكانت جميع الأبواب مشرعه لتحقيق المطالب التي تمَّ طرحها وأيدها مختصون اقتصاديون، وقوله " أمام الظروف الدقيقة والحرجة فنحن  أحوج ما نكون للحفاظ على الوحدة الوطنية، ووحدة الصف في ظلّ مخاطر ما تتعرَّض له القضية الفلسطينية، والانتقاص من الحقوق المشروعة لشعبنا الفلسطيني." 

الاحتجاجات على قانون الضمان الاجتماعي لم يكن لها مبرر سوى تأخير تنفيذ القانون، حيث تبيَّن فيما بعد أن المحتجون الذين أججوا الشارع لمصالح ضيّقه باتوا اليوم في أشد الندم على ذلك، لما لهذا القانون من أهميه وقدره حقيقيَّة؛ ليكون رافعه للاقتصاد الوطني، وأنَّ بإمكان قانون الضمان الاجتماعي لو دخل حيز التنفيذ منذ صدوره لأمكن  أن يحدث طفره حقيقيَّة في البناء الاقتصادي دون انتظار للمساعدات الخارجيَّة، ومرتبطة بتنازلات سياسية. 

نتمنى على الجميع مراجعة مواقفهم واستجماع كلّ القوى لضرورة استعادة تطبيق قانون الضمان الاجتماعي؛ لأننا وفي ظلّ الوضع الحالي بتنا بأمس الحاجة لقانون ضمان اجتماعي يحقّق العدالة الاجتماعية للجميع، ومقتضيات المرحله وتطوراتها تتطلَّب تشكيل حكومة إنقاذ وطني؛ لإنقاذ ما يمكن إنقاذه والحد من المديونية التي تعاني منها الحكومة، وباتت تثقل على المواطن بفرض الضرائب المباشرة وغير المباشرة، والمرحلة تتطلَّب حكومة قادرة ومتمكّنة من تحقيق برنامج يقود لتدعيم الثَّبات والصمود الفلسطيني، من خلال الحدّ من حالة العجز والمديونية التي تعاني منها الحكومة، وتثقل على كاهل المواطنين في ظل تضخّم فاتورة الرواتب والمصروفات، ممَّا حال دون إحداث تنمية مستدامة، وبتنا أحوج ما نكون للشروع بتنفيذ قانون الضمان الاجتماعي.