وكالات - مهند عبد الحميد - النجاح الإخباري - وصف الرئيس الأميركي جوزيف بايدن هجوم الشاب الفلسطيني المقدسي خيري علقم على مستوطنة النبي يعقوب في القدس الشرقية بأنه «هجوم على العالم المتحضر، وشدد على التزام الولايات المتحدة الصارم بأمن إسرائيل». كلمات قليلة زاخرة بالمعاني والتداعيات وقد لخصت الموقف الأميركي من الاحتلال الإسرائيلي ونظام الأبارتهايد المسلح بأيديولوجية دينية متزمتة. وكان المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية فيدانت باتيل رفض وصف الفلسطينيين بأنهم يعيشون تحت احتلال بعد العدوان الإسرائيلي على جنين، بحسب الصحافي الأميركي فيليب وايس محرر موقع موندوايس. وكان ترامب الرئيس السابق صاحب مشروع صفقة القرن التي تضمنت ضم القدس  واعتبرت المستوطنات في الأراضي الفلسطينية قانونية، أراد أن يشرعن الاحتلال ومستوطناته بشكل لا لبس فيه.
وجاءت إدارة بايدن «لتحاكي» مواقف ترامب في دعمها العملي للاحتلال، وتتميز عنها بدعوة الإسرائيليين والفلسطينيين للحفاظ على الوضع الراهن، والعمل معاً لتحسين الوضع الامني وتهدئة الأوضاع. وقد رفضت إدارة بايدن اللجوء الفلسطيني لمحكمة العدل الدولية وللمحكمة الجنائية في الوقت الذي لم تحرك فيه ساكناً لوقف التطهير العرقي والتوسع الاستيطاني وجرائم الحرب المتصاعدة بحق المواطنين، والأنكى أن إدارة بايدن سلمت بموت العملية السياسية. فقط تريد هدوءاً فلسطينياً وتمارس ضغوطاً اقتصادية وسياسية من اجل فرضه، وفي الوقت نفسه تغض الطرف عن برنامج حكومة نتنياهو - بن غفير في مجال الاستيطان والضم والعقوبات الجماعية، ما يجعل الهدوء مستحيلاً.
نعود الى نعت بايدن هجوم الشاب الفلسطيني على مستوطنين بأنه هجوم على العالم المتحضر، وترافق مع تصريح بايدن  حملة شجب بلدان غربية وعربية للإرهاب الفلسطيني». في قضية من هذا النوع من المفترض الاحتكام للقانون الدولي، ومن البديهي القول ان استهداف المدنيين بالقتل ومهاجمة الأماكن الدينية خطأ يعاقب عليه القانون ويندرج في بند جرائم حرب. لكن هذا لا يقتصر على الفلسطيني، وإنما ينطبق على الجميع، وتحديدا ينطبق على الإسرائيليين. وقبل ذلك والأهم فإن الأراضي الفلسطينية محتلة بالقوة ويتم نقل السكان الإسرائيلين اليها واستيطانها بالقوة، وهذا يتناقض مع القانون الدولي الذي  يعتبر الاستيطان جريمة حرب. ثمة فرق جوهري بين رفض قتل المدنيين وبين الدفاع عن الاحتلال والاستيطان. وفرق بين إدانة قتل المدنيين باعتباره إرهاباً من جهة، واعتبار مقاومة الاحتلال المشروعة في تعريف القانون الدولي إرهاباً من الجهة الأخرى، وما يعنيه ذلك من انحياز للتعريف الإسرائيلي الذي يرفض القانون الدولي جملةً وتفصيلاً في كل ما يتصل بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وثمة فرق جوهري بين الاحتكام لمحكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية ومواثيقها وأنظمتها. وبين شريعة الغاب التي يعبر عنها راهناً بن غفير وزير الأمن القومي  الاسرائيلي الذي قال للجنود «أغمض عينيك وافعل ما تشاء»  فضلاً عن إشادته بالجنود الذين قتلوا فتى فلسطينياً يحمل دمية سلاح، وطالب بإطلاق النار حتى لو كان السلاح الذي في أيدي الآخرين دمية. السؤال: هل الدفاع عن الاحتلال وتحويله من احتلال مؤقت الى احتلال دائم ينتمي الى العالم المتحضر؟ هل استخدام الفيتو في مجلس الامن عشرات المرات دفاعاً عن الاحتلال ينتمي الى العالم المتحضر؟
يقول تقرير المنظمة الحقوقية الإسرائيلية «بيتسيلم»: قتلت قوات الاحتلال الإسرائيلي 178 فلسطينياً في الضفة والقطاع عام 2022. وكان من بين الضحايا 42 قاصراً. المنظمة أجرت تحقيقاً ميدانياً، وتأكدت حتى الآن، أن قتل 19 قاصراً كان غير قانوني وإجرامياً ولا يمكن تبريره. ويتحدث التقرير عن قتل 14 شاباً بعد ان لم يعودوا يشكلون خطراً. ويضيف «يعمل النظام الإسرائيلي أيضاً لضمان عدم محاسبة أي شخص تسبب بموت الفلسطينيين، لا الجنود ولا الضباط ولا المستشارين القضائيين. هل قتل الفتيان والأطفال ما دون 17 يأتي للدفاع عن العالم المتحضر؟ وهل الذين يرتكبون جرائم الحرب هم من عالم متحضر ينبغي الدفاع عنهم؟ وهل بقاء 500 فلسطيني بينهم 255 طفلاً دون مأوى بعد هدم منازلهم خلال عام 2022 يأتي دفاعاً عن العالم المتحضر؟ هل العقوبات الجماعية باحتجاز جثامين ورفات المقاومين بالمئات، وبقرصنة أموال المقاصة، وهدم منازل عائلات المقاومين وهي لا تعرف نوايا ودوافع أولادهم.
الشبان الفلسطينيون يعملون بردة الفعل انتقاماً لقتل ذويهم وأقربائهم وأصدقائهم بأسلوب مرتجل وبمعزل عن ثقافة القتل، وفي نفس الوقت لا يعرفون القانون. نموذج خيري علقم الذي قام أحد المستوطنين بقتل جده طعناً أثناء توجهه للعمل، وانه قرر الرد بعد قتل قريبه في مخيم شعفاط الذي كان يحمل البندقية الدمية. ونموذج الطفل محمود عليوات (13 عاماً) المتهم بإطلاق النار في سلوان. ومن قبلهم ظاهرة الشبان الذين مارسوا الدهس والطعن، لكل واحد من هؤلاء قصة قتل واعتقال وهدم ونهب موارد وإهانة وإذلال. هؤلاء الذين يرون القتلة والمضطهدين يفلتون من العقاب بل ويكافَؤون على جرائمهم. ماذا عساهم ان يفعلوا في غياب العدالة النسبية، وفي غياب ثقافة تحرر تتضمن معرفة القانون الدولي والمعاهدات والاتفاقات بما في ذلك شرعة حقوق الانسان. هؤلاء الشبان يخسرون حياتهم ويلحقون الخسارة بعائلاتهم، وهذا يؤكد ان الطرف المسؤول عن وجود ظاهرة الانتقام بهذه الطريقة العفوية والفردية هي سياسة الاحتلال الاستعمارية العنصرية. كثير من الإسرائيليين يقولون إن جريمة جنين الأخيرة ولدت عملية مستعمرة النبي يعقوب، ومجزرة الحرم الإبراهيمي دشنت مجموعة من العمليات التي استهدفت مدنيين إسرائيليين. في كل البلدان المستعمَرة ترك المستعمرون بصماتهم على الشعوب وحركات التحرر، وهنا في فلسطين لا يمكن فصل ردة الفعل الفلسطينية، عن مسلسل القتل والتعذيب والنهب وشيطنة الفلسطينيين والعقوبات الجماعية الإسرائيلية، ولا يمكن فصلها عن الحماية الأميركية لها بدعوى أنها تشكل دفاعاً عن العالم المتحضر. ولكن شتان بين الفعل الاستعماري العنصري المتوحش وردة الفعل المعاكسة في الاتجاه لكنها تقل كثيراً عنها في المقدار.
لم تدافع إدارة بايدن عن الإعلامية شيرين أبو عاقلة التي تحمل الجنسية الأميركية وساهمت في إفلات المرتكبين من المحاسبة والعقاب. ليس هذا وحسب بل تسمح إدارة بايدن بجمع  تبرعات اميركية معفاة من الضريبة من خلال جمعية يرأسها المحامي حنمائيل دورفمان اليد اليمنى للوزير بن غفير، وتقدم هذه الجمعية الأموال لقاتل الطفل محمد ابو خضير ولقاتل عائلة دوابشة ولقاتل رابين ولغيرهم من القتلة كما جاء في تحقيق إسرائيلي اميركي نشرته صحيفة هآرتس. الدفاع عن القتلة واحتضان الكهانيين العنصريين هل هو دفاع عن العالم المتحضر؟ إلى متى ستنعم الشعوب بهذا العالم المتحضر؟
[email protected]