وكالات - أكرم عطا الله - النجاح الإخباري - كان أسبوعا حافلاً في إسرائيل يفرك فيه كل خصومها أيديهم فرحاً مما يحدث هناك من انقلاب شبه صاخب على كل إرث الدولة التي تمت هندستها على يد المؤسسين الأشكناز المحملين بالإرث الأوروبي، والذي يتكئ على الثورتين الصناعية والعلمانية اللتين  أطلقتا العنان للعقل والعلم وحربين عالميتين أحدثتا صدمة للضمير الأوروبي نحو قيم حقوق الإنسان.
أقيمت إسرائيل كامتداد لهذا التراث الديمقراطي على الأقل بين اليهود الذين تم تهجيرهم محملين بثقافات مختلفة ومتنوعة لتبدأ في عملية صهر نحو إسرائيلية جديدة قادرة على احتواء كل تلك الاختلافات في مؤسسة واحدة كان عنوانها القانون. ولكن كل ذلك لم يكن يتحقق دون تعاليم الأب الروحي للمشروع ثيودور هرتسل «بضرورة إبعاد الحاخامات ورجال الدين عن الدولة وحجزهم داخل كنسهم».
ميكانزمات الحركة الداخلية وديناميكيتها على امتداد العقود الماضية كانت أقوى من الهندسة الجامدة واستاتيكيتها للمجتمع الذي اتضح أن المشروع ولد أساساً حاملاً الجينات الوراثية للبصمة الدينية كمشروع لم يجد له من التبرير سوى أن هذه الأرض أعطيت بوعد ديني توراتي للقبيلة. وبالتالي كان هذا التزاوج المبكر هو مأزق الدولة الذي يتبلور الآن بأوضح صوره على شكل سموتريتش وبن غفير ومرجعياتهما الدينية التي أزاحت بفعل التطور الطبيعي نقيضها العلماني الأوروبي نحو دينية شرقية، وكانت أحداث الأسبوع تعكس نذر هيمنتها وتسيدها على القرار السياسي وعلى القانون وعلى الدولة وعلى الثقافة.
هذا الأسبوع كان وزير العدل ياريف ليفين يتحضر معلناً تغييرات جذرية في الجهاز القضائي ولمجزرة القانون التي كان يتوعد بها، والتي تتضمن الحد من سلطة المحكمة العليا ومنح الحكومة حق اختيار القضاة وإنهاء تعيين المستشار القانوني للحكومة للمستشارين القانونيين وتحويل قراراتهم إلى توصية غير ملزمة.
وهذا الأسبوع كان هناك من يدعو لدهس المعارضين للحكومة وكان عضو الكنيست تسفيكا فوغل العقيد في الاحتياط  من حزب عوتسما يهوديت الذي يترأسه بن غفير يدعو لاعتقال قادة المعارضة غانتس ولابيد بتهمة الخيانة العظمى، وهذا الأسبوع كان شلومو كرعي وزير الإعلام يعلن تغييرات على المؤسسات الإعلامية التي تتلقى دعماً من الحكومة.
ووسط هذه المناخات كان الرئيس الإسرائيلي يجتمع مع كرعي وليفين في محاولة لإقناعهما بوقف الجنون، لكن يبدو أنه فشل وخرج بتصريحات باهتة انتقدتها المعارضة المستهدفة التي يتم حشرها وملاحقتها والهجوم عليها. فقد أوقفت الحكومة تمويل أكثر من مئة جمعية مدنية بتهمة قربها من اليسار وقيمه وكذلك أثارت الخوف من إقرار الائتلاف للقانون النرويجي وزيادة عدد المسموح باستبدالهم في الكنيست.
منذ الانتخابات باتت إسرائيل تشهد تصدعاً حقيقياً لأول مرة يخرج عن قدرة القانون على ضبطه وفقاً لأصول اللعبة الديمقراطية بالسيطرة على خلافاتها تحت البرلمان، حيث ينتقل للشارع والتظاهرات وعبارات التخوين والخوف من الاعتداء ما سيمنع قادة المعارضة يائير لابيد وبني غانتس من المشاركة في تظاهرة غدا، أجواء من العداء والكراهية تسيطر على الجناحين في المجتمع تحمل قدراً من الخوف الحقيقي يتحول لأرقام في بورصة الهجرة.
إذ تنشر صحيفة «تايمز اوف إسرائيل « تقارير مفصلة عن ارتفاع نسب طلبات الجنسيات الأوروبية منذ تشرين الثاني الماضي 13 % على الجنسية الفرنسية و10 % على الجنسية الألمانية أما البرتغالية فارتفعت بستة أضعاف.
وتقول الصحيفة إن ذلك الشهر الذي شهد نقطة تحول في طلبات الهجرة يعكس الخشية من صعود اليمين المتطرف على مستقبل إسرائيل.
كم تبدو أهمية ذلك بالنسبة للفلسطينيين؟ صحيح أن هذا يفتح مشروعاً سياسياً قادراً على تحقيق نجاحات تجاه مجتمع وصلته سوسة الانقسامات، لكن لنترك هذا لأحاديث ومقالات أخرى لنتوقف عند مسألة يمكن الاستفادة منها مع لحظة يتكرر في إسرائيل ما سبق أن حدث للفلسطينيين في انتخابات 2006 والتي فاز فيها التيار الديني في المجتمع الفلسطيني ممثلاً بحركة حماس ليبدأ التصدع في المجتمع الفلسطيني وينتهي بالانقسام.
لا يعني ذلك مقارنة بين حركة حماس وبن غفير على صعيد المشروع الوطني، فالأولى تحمل مشروع تحرر ولكن الأخير يحمل مشروع احتلال استيلائي عنصري لكن المقارنة هنا تتعلق بالوضع الداخلي ونظرة السياسي المتدين للمعارضة والتصنيف الضيق الذي تتخذه القوى الدينية تجاه معارضيها وعدم إيمانها بالتعددية، والاعتقاد بأن التفويض الشعبي هو عبارة عن صلاحيات مطلقة للانقلاب على كل الإرث السابق وتجريفه وليس البناء عليه واستكماله في سياق التراكم الحضاري الدولاني.
وهكذا جرى التعامل مع العلم الفلسطيني في البدايات ووقف النشيد الوطني في المدارس وتخوين المعارضين وأبعد من ذلك تكفيرهم وأن كل ما كان خطأ وينبغي البدء من جديد وبأحكام مطلقة لا تقبل التشكيك بصوابها.
قد تبدو المقارنة ضرورية ليس لنبش الماضي بقدر الإشارة إلى علاقة الدين بالسياسة ونذر انقسام المجتمعات وتفتتها.
صحيح أن حركة حماس وارتباطا بالتجربة تصبح أكثر إدراكا لمتطلبات السياسة والمجتمعات وإن ما زالت بعض الأحكام المطلقة تطلقها تجاه خصومها في لحظة الخلاف كأنها لم تستفد من التجربة لكن لا بد من الوقوف عند تلك اللحظة لإعادة قراءة التجربة الأسوأ في تاريخ الفلسطينيين سواء لخطأ التصور النظري للحركة الإسلامية الذي جاء مندفعاً أكثر مما يجب برغبة التجريف، أو لخطأ الممارسة العملية للتيار الوطني الذي لم يأخذ بيد حماس بهدوء لجهة تأهيلها وتدريبها وفرملة انفعالها ودمجها في المؤسسة.
تجربة إسرائيل التي بدأت أولى مراحل تخريب المجتمعات بوصفة تسيد الأيديولوجيا التي لا تؤمن بالتعدد والآخر في مجتمعات سمتها الرئيسة التنوع، لأن التنميط هو فعل مخالف للطبيعة الإنسانية وهي وصفة لا تؤمن بالقانون وتعتقد أنها تحمل رسالة الحقيقة المطلقة من المهم متابعتها والاستفادة منها، وفي مسيرة تصدع إسرائيل وقد يجد الفلسطيني في هذا أسباب التصدع ما يساعده في قراءة أحد أسباب انقسامه باحثاً عن آليات الترميم كضرورة تتطلبها اللحظة التاريخية !