وكالات - عبد المجيد سويلم - النجاح الإخباري - سبقني بجدارة الزميل حسن عصفور إلى الكتابة عن حالة العجز التي بدت عليه حال السلطات والحكومات والفصائل الفلسطينية من كل الأنواع والأجناس والأصناف، بعد أن قام الوزير الجديد إيتمار بن غفير باقتحام المسجد الأقصى المبارك على «طريقته» هذه المرّة، أو على طريقة نتنياهو بالأحرى!
وما بين الاستنكار والتنديد، وما بين الشجب والإدانة «وصولاً» إلى التهديد والوعيد انتهى «الاقتحام» بموجة من المناشدات والتحذيرات، أعقبتها موجة أخرى من الإنذارات معدّة «خصّيصاً» للاقتحامات القادمة!
هذه الحالة وما بعثته في نفوس الفلسطينيين من أسى ومرارة، وما أثارته من حزنٍ وألم تخلّلها ــ والحمد لله ــ فاصل هزلي واحد، لعلّه خفّف من وطأة هذه الحالة على الناس، حين انبرى أحد أقطاب حركة «حماس» المعروف بتطرّفه الشديد باستنكار حادثة محاولة إطلاق صاروخ أو قذيفة باتجاه إسرائيل، وسقطت في قطاع غزة، ولم تتجاوز «الحدود»، واعتباره لهذه الحادثة «مؤامرة» على القطاع، قامت بها أيدٍ خفيّة، وقد تكون «سلطة رام الله» هي التي تقف خلفها.
باستثناء هذا «الفصل الهزلي» لا يوجد في ردود الفعل الفلسطينية، الرسمية والحزبية على حادثة الاقتحام سوى ما يؤكد المؤكد، وهو العجز ولا شيء غير العجز.
وسواء كان تبرير هذا العجز هزلياً أو «جاداً» فقد تحوّل هذا التبرير إلى الأيديولوجية السياسية المشتركة «للكلّ الفلسطيني»، الرسمي، الحزبي والفصائلي على حدِّ سواء.
مسرحية شكل وتوقيت الاقتحام انطلت على الغالبية الكبيرة من هذه «المنظومة» الفلسطينية، وصدقت هذه المنظومة نفسها بأن بن غفير قد قام بهذا الاقتحام دون التنسيق التام والتفصيلي الدقيق مع نتنياهو ومع طاقم نتنياهو كلّه، وبلا أيّ استثناء.
عملية الاقتحام هذه هي الاختبار رقم (1) في سلسلة اقتحامات قادمة تباعاً، سيتم من خلال تتابعها «ترويض» الحالة الرسمية والحزبية والفصائلية، والمحيط الإقليمي والدولي، أيضاً، رويداً رويداً، وعلى مهل، بكلّ رويّة وتدرّج، بحيث يتحول المسجد الأقصى إلى مكان «مشترك» مقدّس «للطرفين»، سيصار إلى «تنظيم» التعاطي مع هذا المشترك، مع استعداد «إسرائيلي» بإظهار الكثير من «التسامح» إزاء خصوصية «القداسة» الإسلامية فيه، وخصوصية الدور العربي والأردني إزاء هذه الخصوصية، ودون أي دور يذكر للدور الفلسطيني الخاص على الإطلاق.
باختصار وإيجاز فإن حادثة الاقتحام هي البداية الفعلية والرسمية لمرحلة بحد ذاتها، جديدة، ستحاول من خلالها حكومة الائتلاف الفاشي الجديد «حسم» مسألة كل ما هو مقدّس في البلدة القديمة، إسلامية ومسيحية، وتحويل كل هذا المقدّس إلى «فضاء مشترك» بالشروط الإسرائيلية.
فإذا كان هذا كلّه لا يشكل [خطاً أحمر] بالنسبة لكامل «المنظومة» الفلسطينية فإن كل الخطوط الحمر قد طارت وتبخّرت إلى الأبد، وإلى غير رجعة.
أيديولوجية تبرير العجز القائمة على قدمٍ وساق في الحالة الفلسطينية تحاول ــ دون نجاح يذكر ــ أن تصور «عملية السيطرة الإسرائيلية» القائمة على قدمٍ وساق من جانبها ــ والتي يبدو أنها ستنجح في النهاية إذا استمر العجز، واستمرت حالة تبرير العجز ــ تحاول تصوير هذه السيطرة، وكأنها ستأتي على شكل دراماتيكي ما، كأن يتم هدم «الأقصى» أو إحراقه أو حتى نسفه من أركانه؟!
المنظومة الفلسطينية كلها ودون استثناء لا ترى أن مواجهة الخطر الإسرائيلي يستدعي أي شيء محدّد سوى انتظار ذلك الحدث «المدوّي الدراماتيكي الكبير» لكي يصار في حينه للتفكير في الردّ المناسب بعد «دراسة» المعطيات المحلية، والإقليمية، وربما الدولية، أيضاً، وبحيث يتم «التنسيق» الكامل مع كل الأشقاء، ومع كل الأصدقاء، وحتى لا يكون مثل هذا الرد في حينه «مغامراً» أو «خارجاً» عن المألوف.
لا ترى هذه المنظومة أن السيطرة الصهيونية على المدينة وكل مقدساتها يستدعي التفكير في وحدة الحالة الوطنية، ولا إنهاء الانقسام، ولا حتى إلى لملمة هذه الحالة، ولا طبعاً إلى إعادة النظر في واقع المؤسسات الوطنية، ولا «بالمطلق» إلى مراجعة للأسباب التي أوصلتنا إلى ما وصلنا إليه، ولا إلى التراجع عن النهج المدمّر الذي سرنا، وما زلنا نسير عليه.
المنظومة الفلسطينية يا أبناء شعبنا في كل مكان تعرف وتوقن، وهي متأكّدة، وواثقة تماماً من أن نتنياهو يُدشّن مرحلة جديدة، وأن أقطاب «اليمين الفاشي» قد تسلموا كل مقاليد أمور هذه الحكومة الجديدة، وأن «الضم» قادم بنفس طريقة وأسلوب السيطرة على المدينة المقدسة، ترويض وقضم وتدرج، ثم «مسرحيات» إعلامية، ثم أحداث جديدة، في نفس السياق، وبنفس الأساليب، وبأساليب جديدة ومبتكرة، ثم ترويض من جديد، فقضم جديد، وهكذا ستستمر الأمور، لأن نتنياهو، وهو الخبير بالمنظومة الفلسطينية، يعرف حدود هذه المنظومة والخطوط الحمر الحقيقية لها.
مرحلة الاقتحام هي مرحلة افتضاح عجز المنظومة الفلسطينية الرسمية والحزبية والفصائلية، حتى ولو لجأت بعض هوامش هذه المنظومة إلى بعض الأشكال الكاريكاتورية في مواجهة هذه المرحلة.
حدث اقتحام المسجد الأقصى يتم النفخ الإعلامي فيه، وفي الجانب «الخطابي» منه لعلّ وعسى أن تتمكن المنظومة الفلسطينية، وحتى الإقليمية والدولية من خلفها، طالما أن الموضوع هو «دبلوماسي» أو خطابي، أو أي شيء من هذا القبيل.. لعلّ وعسى أن يمرّ، أيضاً، هذه المرّة، كما مرّت مئات الاقتحامات السابقة، وعلى أن تبدأ المرحلة الجديدة، مع العهد الجديد، لهذه الحكومة الجديدة باقتحام جديد، «بثوبٍ» جديد، سيظهر به بن غفير وأقرانه في اقتحامات «نوعية» جديدة لفرض الوقائع «الجديدة» في أقرب فرصة ممكنة وقادمة.
المرحلة الجديدة لا تشكل أي اختبار حقيقي لاستراتيجية الحكومة الفاشية الجديدة لأن خطة هذه الحكومة جاهزة، وفصول التنفيذ معدّة ومحدّدة، ولا تشكل أي اختبار لعجز المنظومة الفلسطينية، لأن هذا العجز قائم ومستمر، والشيء الجاهز الوحيد في مواجهتها هو أيديولوجية تبرير هذا العجز.
ليس صعباً على شعبٍ محنّك ومجرّب وصلب كالشعب الفلسطيني أن يفهم بأن العجز، وتبرير هذا العجز بات هو العنوان الأوضح في وصف الحالة الوطنية.
وكل حالة أو محاولة للترقيع لن تغير في جوهر هذا العنوان، ومن دون مغادرة كامل مساحة هذا العجز فإن كل خطابات الدنيا ستعجز عن التصدّي للمرحلة الجديدة.