وكالات - رجب أبو سرية - النجاح الإخباري - يومان فقط ويغلق العام 2022 دورته ويقبع بين طيات التاريخ، فاتحاً الباب للعام 2023 ليسجل بدوره أحداثه التي يمكن قراءة بعضها ارتباطاً بأحداث ما زالت تداعيات بعضها قائمة أو فصولها متواصلة، فيما بعضها الآخر أسس لأحداث لن تبتعد عن فحواها كثيراً، ورغم هذا فإنه يمكن أن تقع أحداث مفاجئة، هنا وهناك، لكن ولأن ما يهمنا هو ما يحدث في الشرق الأوسط، وبشكل خاص ما يتعلق بحالنا الفلسطيني، حيث نتمنى كما تمنينا كل عام مضى، أن يحمل العام الجديد ما هو مختلف بالمنحى الإيجابي لبلدنا وشعبنا، الذي مضت السنون الطويلة والعديدة تباعا عليهما، وما زلنا نأمل أن يرحل الاحتلال الإسرائيلي عن بلادنا، لنعيش بكرامة وأمن وسلام وحرية كما كل شعوب الدنيا.  
لكن وحيث أن الأمر لا يتعلق بنا وحدنا، فلا بد من قراءة المتغيرات التي تحيط بنا، ومنها بالطبع ما حدث داخل إسرائيل نفسها، وإن يكن لم يطرأ ما هو مختلف داخل الحالة الفلسطينية، لا من حيث وضع حد للانقسام ولا لجهة إجراء الانتخابات ولا حتى وضع حد للقرصنة الإسرائيلية بحق المال الفلسطيني، أما إسرائيل، فقد شهدت العام المنصرم 2022 تغيراً محدوداً، حكمت خلاله ما سميت بالحكومة البديلة، لكن لم يتغير الواقع بشيء، خاصة من ناحية انسداد الأفق السياسي، وبالتالي تبدد الأمل بفتح باب الحرية للشعب الفلسطيني، عبر التفاوض ومن خلال التوصل لحل سياسي، ورداً على عملية «كاسر الأمواج» التي نفذتها الحكومة البديلة، ووضعت حداً نهائياً وصريحاً من خلالها لاتفاق أوسلو، خاصة مع اقتحام المدن الفلسطينية من قبل الجيش الإسرائيلي، وهي المناطق المصنفة أ وفق الاتفاق المذكور، والتي لا يحق للإسرائيليين اقتحامها، وهي خاضعة بالكامل لسيادة السلطة الفلسطينية، ظهرت المجموعات الفلسطينية المسلحة في مدن جنين ونابلس والخليل، كمستجد لم يكن ظاهراً خاصة بظاهرة عرين الأسود.
المتغير الأهم على الجانب الفلسطيني، يمكن لحظه أو تحديده بانقطاع الأمل بالحل السياسي، لذا فقد تزايدت حركة السلطة الفلسطينية نحو العمل السياسي، إن كان عبر الأمم المتحدة، وقد قامت السلطة بطلب للأمين العام، أتبعته بالتقدم بمشروع قرار يستعين بالقضاء العالمي لتعريف الاحتلال الإسرائيلي، لمعرفة إن كان قد تحول إلى ضم فعلي، بعد كل هذه السنين، ولم يعد احتلالاً مؤقتاً، خاصة مع تنكر إسرائيل للقانون الدولي بهذا الشأن، بإقامة المستوطنات، وتغيير الواقع الفلسطيني بقوة الاحتلال، بل وعدم حماية حق المواطنين بالحياة، وعلى الصعيد الشعبي الميداني، لم يكتف الشعب الفلسطيني بالمقاومة الشعبية السلمية والتي كانت دائماً أهم مظاهرها التصدي لاقتحامات المسجد الأقصى، بل ظهرت المجوعات المسلحة، وهي تدافع عن المدن الفلسطينية كلما اقتحمتها قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي.
أما على الصعيد الإسرائيلي، فإن اليمين عاد إلى الحكم  بحكومة هي الأكثر يمينية وتطرفاً، وهي لم تكتف باستناد الحكومة لائتلاف اليمين واليمين المتطرف مع الحريديم، بل إن اليمين المتطرف هذه المرة كان يمينياً عنصرياً وفاشياً، بل إن بنيامين نتنياهو قد سلم ملف الاحتلال الإسرائيلي لأرض دولة فلسطين لهذا اليمين ممثلاً بحزبي القوة اليهودية بزعامة ايتمار بن غفير، والصهيونية الدينية بزعامة بتسئليل سموتريتش، ومنحهما ملفات أو صلاحيات كانت من اختصاص الجيش الإسرائيلي، حتى يمارس الرجلان وحزباهما أقسى أشكال التنكيل والبطش والقهر بحق الشعب الفلسطيني المحتلة أرضه، والأدلة أو الأمثلة عديدة بهذا الخصوص، حيث يتضمن برنامج هذين الرجلين وشعاراتهما وتصريحاتهما كل ما يؤكد عنصريتهما وفاشيتهما اللتين ينويان ممارستهما بحق الشعب الفلسطيني من جهة، وبالمقابل منح كل الرعاية والتشجيع، والتغطية لكل جرائم المستوطنين، بل وحمل الاستيطان وهو غير شرعي وفق القانون الدولي، على أكتافهما والدفع به لمنع كل إمكانية لإقامة الدولة الفلسطينية المتصلة والقابلة للحياة.  
في حقيقة الأمر، يرث العام 2023 العام الذي سبقه وفي جعبة إسرائيل ملف حافل من إرهاب الدولة والجرائم المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني التي تصنف كجرائم ضد الإنسانية، وخلال العام 2022 قتلت إسرائيل أكثر من 230 فلسطينيا، واعتقلت أكثر من 6500 مواطن، وأصابت نحو 1200 بجروح مختلفة، وهدمت أكثر من 900 منزل، هذا على صعيد ممارسة دولة الاحتلال، يضاف إلى ذلك تسجيل أكثر من 1200 اعتداء نفذه المستوطنون الإرهابيون ضد الشعب والأرض الفلسطينيين. وقد كان العام 2022 هو الأكثر دموية وعنفا منذ عام 2005 أي منذ المواجهة التي تلت اندلاع الانتفاضة الثانية، وهذا يعني بأن إسرائيل _حكومة ومستوطنين_ قد صارت أكثر عنفاً، بعد أن عقدت اتفاقيات التطبيع «أبراهام» في أيلول من العام 2020، ولم يختلف مستوى العنف الرسمي الإسرائيلي عبر الحكومة البديلة عن حكومة اليمين التي سبقتها، وهذا كله يعود _بتقديرنا_ إلى أن إسرائيل قد أخرجت من رأسها فكرة الانسحاب من الأرض الفلسطينية، لذا فهي تظن بأن زيادة مستوى القهر وحكم الشعب الفلسطيني بقبضة من حديد يمكنهما أن يوفرا لاحتلالها الأمن، وتقنع الشعب الفلسطيني بالإذعان والقبول بدوام الاحتلال.  
في مواجهة التصعيد الإسرائيلي كان رد فعل الشعب الفلسطيني وعلى المستويين الرسمي والميداني، تصعيد الكفاح السياسي والدبلوماسي، كذلك ارتفاع مستوى الشجاعة والجرأة بالتصدي المسلح لجيش العدو، وكان ذلك يجري بما يؤكد بأن الشعب الفلسطيني لا يعرف الإرهاب أبداً، حتى وهو يتعرض لكل ذلك العنف والإرهاب الإسرائيلي، فحتى المجموعات المسلحة، إن كانت عرين الأسود، أو عش الدبابير، أو غيرهما، لم تطلق رصاصة واحدة خارج حدود أرض دولة فلسطين المحتلة، وهي دافعت عن مدن جنين ونابلس والخليل، كلما قامت قوات الجيش الإسرائيلي المعتدية باقتحامها، على غير ما كانت عليه الحال عام 1996 مثلا، بما يؤكد نضج الشعب والسلطة على مستوى الكفاح السياسي والميداني.  
لا شك بأن العام 2023، سيشهد أحداثاً خاصة به، لكن من غير المتوقع أن تحدث انقلابات خاطفة، أما بأي اتجاه سيذهب بنا، فإن ذلك منوط بصراع الإرادات أولاً، حيث يدخل الإسرائيليون العام الجديد بحكومة هي الأكثر تطرفاً بتوصيفهم هم، في محاولة لكسر إرادة الشعب الفلسطيني وفرض الاستسلام عليه ليقبل بواقع الاحتلال والتعايش معه بشكل نهائي، ويراهنون بذلك على الفاشيين والعنصريين، بن غفير وسموتريتش كقادة أركان للاحتلال في أرض فلسطين، بسلاح الدولة وبقوة المستوطنين المستعمرين، وهم يفكرون بأنه إن لم يحدث الحسم خلال العام 2023، فربما يحدث في العام الذي يليه، وهناك 4 سنوات أمام هذه القوة الفاشية المنضوية ضمن إطار حكومة نتنياهو السادسة، بالمقابل الفلسطينيون يواجهون هذا التشكيل الإرهابي بنزع كل المراهنات على الحل السياسي، وفي ظل صراعات دولية وإقليمية، وتنامي التعاضد الشعبي الإقليمي والدولي مع قضية فلسطين، وهكذا على الأغلب، أن تبقى حالة التعادل الميداني قائمة، فيما يمكن أن يحقق الإسرائيليون اختراقات على مستوى الأنظمة، مقابل تحقيق فلسطين مزيدا من التأيد الشعبي، حتى داخل أميركا نفسها، ومزيدا من الدفع بإسرائيل للعزلة الدولية، حتى تصبح عبئا على حلفائها في نهاية المطاف.