وكالات - رامي مهداوي - النجاح الإخباري - في زمن الانتفاضة الأولى، كان لناصر أبو حميد هتاف خاص يردد في شوارع مدينة رام الله ومخيماتها، والقرى المجاورة لها: «ناصر أبو حميد يا أسد مقنّع... في الليل والنهار البلطة بايدك تلمع».
في بداية الانتفاضة الثانية، تعرفت على هذا الأسد عن قرب، قليل الكلام، كثير الفعل، في زمن كان عدد من «القيادات» من مختلف الألوان يأتون فقط للتصوير والحديث مع وسائل الإعلام، وكان هو المُقنع الخفي بأول الصفوف.
بين ماضٍ وحاضر، وبين فرد ومجتمع، وما بين الزمان والمكان، والمتغيرات على كافة الأبعاد المحلية والإقليمية والعالمية، تتغير الأيديولوجية والمصالح والأدوات والأدوار، فيتحول الفعل الحاضر إلى ماضٍ لا يعود، والفاعل إما شهيد، أسير، محرر، مبعد أو جريح، إلا أن الأسد المُقنّع حطم كل ذلك ليصبح هو كُل ما تم ذكره.
الغريب في الأمر، والمحزن لدرجة «الهستيريا»، أن الحاضنة المجتمعية للكل الفلسطيني، التي أنجبت أسود أمثال ناصر وما زال رحمها خصباً بالأشبال، وما أكثرهم في هذا العام! تقف صامتة ساكنة تائهة.. أستطيع وصفها بالمقتنعة بأن يبقى الحال كما هو عليه، ما شكل دافعاً قوياً لولادة أشبال في مختلف محافظات الوطن متمردين على الكُل المقتنع، مُقدمين أنفسهم وأرواحهم فداءً للوطن في ظل الملحمة التاريخية التي يقودها أبناء شعبنا بشكل فردي.
مجتمع مُقتنع ببقاء الحال على ما هو عليه، حيث لا حرب ولا سلام، الكلّ خاضع للسكون دون أي فعل جماعي، ودون مظلة وطنية تقودنا في مواجهة الاحتلال.. كلٌّ حسب طاقته وإمكانياته، وهذا واضح على صعيد غياب أغلب المؤسسات والهيئات والفصائل بالعمل الجماعي، والاكتفاء بالشعارات والتصريحات والمؤتمرات وورش العمل، ما جعل صانع القرار محللاً سياسياً، والمحلل السياسي يطمح أن يصبح صانع قرار، وصاحب المال يبحث عن السلطة وصاحب السلطة يبحث عن المال، والكُرسي الدوّار بين مسؤول/ة في السلطة وناشط/ة في المجتمع المدني.. لتضيع الأدوار!!
تلك الحالة أصبحت مُمَكّنة لولادة الأشبال واستكمال طريق الأسود في مختلف تواجدهم الجغرافي، وشق طرق جديدة وعرة خطيرة في مواجهة قوة عسكرية احتلالية متطورة على صعيد السلاح والتكنولوجيا الحربية، لكن أشبال فلسطين يمتلكون ما لا يمتلكه عدوهم وهو الإيمان بالقضية.
لنتذكر أن ناصر أبو حميد أصيب أول مرة برصاص الاحتلال وهو شبل عمره 11 عاماً، لتتوالى بعدها الرصاصات والشظايا في جسد الشبل الذي تحوّل إلى أسد متمرد على القيود والتدجين، ما جعله قناصاً في ساحات الاشتباك، ليصبح أبرز مؤسسي «كتائب شهداء الأقصى».
رحيل الأسد المُقنّع في ظل المجتمع المُقتنع، وبظروفنا الحالية، سيؤدي إلى ولادة أشبال لا يعرفون من هو ناصر أبو حميد، لكنهم يعرفون الطريق والتعاليم والأدوات التي عايشها، ويسمعون صدى الزئير القادم من زملائه في سجون الاحتلال وهم يروّضون سجانهم خلف القضبان.. فرواية الأسد المُقنّع لم تنتهِ بعد، وربما بدأت؟!