وكالات - رجب أبوسرية - النجاح الإخباري - ما أن وطأت أقدام الاحتلال الإسرائيلي أرض غزة عام 1967، حتى بدأ الشباب في تنظيم صفوفه، استعداداً لإطلاق المقاومة التي سرعان ما صارت تقارع الاحتلال رأساً برأس، حتى قيل إن غزة يحكمها الاحتلال في النهار وفي الليل مجموعات الفدائيين، أما في العام 2000 وعشية مغادرة الرئيس الأسبق بيل كلينتون البيت الأبيض، فقد حاول أن ينهي عهده بتوقيع الاتفاق النهائي بين الرئيس الراحل ياسر عرفات، ورئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق أيهود باراك، وكان كلينتون قد بدأ ولايته بتوقيع اتفاق إعلان المبادئ في حديقة البيت الأبيض، بين عرفات واسحق رابين، وحاول أن يغلق ولايته الثانية بالاتفاق النهائي بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.  
لكن ذلك الاتفاق كان يفترض أن يتوج خمس سنوات من التفاوض حول الملفات الخمسة التي رحلت للاتفاق النهائي، ضمن الاتفاق المرحلي أو المؤقت، الأمر الذي لم تقدم عليه إسرائيل، بعد اغتيال رابين بتحريض اليمين، الذي ورثه المعارض اليميني الليكودي بنيامين نتنياهو، الذي بدوره سقط بعد ثلاث سنوات، بعد أن وقع "واي ريفير"، الاتفاق الذي انتقلت بموجبه الخليل لولاية السلطة الفلسطينية، ليرثه أيهود باراك الصقري من حزب العمل، الذي ذهب إلى كامب ديفيد واضعاً العربة أمام الحصان، أي مطالباً بالخروج باتفاق نهائي، وفعلاً أغلق كلينتون أبواب كامب ديفيد على نفسه وعلى باراك وعرفات، حيث مارس الرجلان كل أشكال الضغط على ياسر عرفات، ليقبل أقل من الانسحاب لحدود 67، والقدس الشرقية عاصمة لفلسطين، مع التنازل عن حق العودة، لكن عرفات صمد ورفض وعاد يحتمي بشعبه الذي استقبله استقبال الأبطال، ومن ثم توجه إلى رام الله، واستقر فيها، لأنه أدرك بأن الصراع صار ميدانياً ويحتاج إلى فصل آخر من المواجهة الميدانية.
وكان من شأن انغلاق الأبواب أمام الحل النهائي، أن تعززت قوة معارضي الحل السياسي، على الجانبين، فسرعان ما تولى رئاسة الحكومة الإسرائيلية أرئيل شارون، فيما تصاعدت عمليات "حماس" داخل الخط الأخضر، وهكذا نشبت انتفاضة عام 2000، مباشرة بعد عودة عرفات من كامب ديفيد دون الحل النهائي، وصار طرفا المعادلة هما "حماس" واليمين الإسرائيلي، بعد أن كانا موقعي إعلان المبادئ، أي (م ت ف) واليسار الإسرائيلي.  
اليوم يقوم نتنياهو بتسليم الضفة الغربية للصهيونية الدينية، عبر منح " الكاهاني" إيتمار بن غفير وزارة الأمن القومي، وهي وزارة الأمن الداخلي سابقاً، مضافاً إليها حرس الحدود، قوة الشرطة الإسرائيلية العاملة في الضفة الفلسطينية، والإدارة المدنية التي تتبع رئيس أركان الجيش لبتسئليل سموتريتش، بما يعني أن نتنياهو قد دفع بالضفة للمواجهة الميدانية، في محاولة لفرض الضم الحقيقي ميدانياً ورسمياً ونهائياً، وذلك بإخراجها من دائرة الأرض المحتلة، التي ينطبق عليها القانون الدولي، إلى الأرض المدارة من قبل إسرائيل وفق قوانين عسكرية، مارقة، وهكذا يكون من الطبيعي أن يدفع هذا الإجراء الإسرائيلي الرسمي، الحالة على الجهة المقابلة إلى أن ينشأ بالمقابل على الجانب الفلسطيني الطرف الميداني المقابل - وهو ليس السلطة، ما دامت إسرائيل لم تعد تتعامل مع فلسطين عبر عنوانها الرسمي، والتزاماً باتفاقياتهما الموقعة بينهما - أن ينشأ الند المقابل وهو المقاومة، حيث قد تكون "عرين الأسود" هي ذلك الطرف، والتي بدأت فعلاً بمقارعة الاحتلال والتصدي لاقتحاماته، بل وتنظم المسيرات العسكرية، بأكثر مما كانت تظهر عليه قوات المقاومة الشعبية في غزة، أيام محمد الأسود "جيفارا غزة".  
وكما تحولت "القسام" في غزة، منذ عام 2000 إلى القوة التي تحدد طبيعة قرار الحرب والسلم، على الجانب الفلسطيني، مقابل حكومة شارون اليمينية، ستتحول المقاومة الفلسطينية في نابلس وجنين والخليل إلى الطرف الذي سيدخل في سجال الميدان مع الصهيونية الدينية وميليشات المستوطنين، التي على الأغلب أن يسارع بن غفير وسموتريتش إلى تنظيمها أكثر وتسليحها بالكامل، وتغطيتها سياسياً بالطبع، لتكون قوة البطش الأكثر قسوة، والتي لا تخضع سوى لقانون الغاب، في محاولة من زعيمي إرهاب الدولة الإسرائيلية فرض الأسرلة والتهويد، ليس فقط على القدس والخليل، بل على كل الضفة الغربية، بهدف إغلاق الأبواب أمام كل احتمالات قيام دولة فلسطينية متواصلة جغرافياً، أو حتى ممكنة.
بهذا الفصل تكون إسرائيل قد انتقلت إلى الطرف الآخر النقيض لما كانت عليه قبل ثلاثة عقود، أي عام 1992، حين دخلت في مفاوضات مع (م ت ف) أفضت إلى أوسلو، وذلك بعد انتفاضة العام 1987، وكما حدث في غزة يعد عام 2005، أي منذ أن انسحب منها شارون، لم تعد غزة تتحدث مع إسرائيل، إلا عبر لغة إطلاق النار المتبادلة، أو في أحسن الأحوال عبر الوسيط، الذي قد كان هناك على الأغلب مصر. بهذا السياق فإننا نتوقع أن لا تتعامل السلطة الفلسطينية مع إسرائيل لضبط الوضع الميداني، وحقيقة الأمر أن الجميع كان يدرك أنه لا بد من الوصول إلى هذه النقطة، بعد كل هذا المسار من عرقلة الحل السياسي، الذي سار عليه نتنياهو منذ عام 2009 حتى اليوم، لكن القيادة الفلسطينية، ما كان يمكنها أن "تنقلب" على ذاتها، وهي كانت تراهن على المجتمع الدولي، وفي مقدمته أميركا، لعل وعسى تقدم على إنقاذ إسرائيل من تطرفها، كما أن السلطة احتاجت للصبر، حتى يقتنع الآخرون، وهي ما كانت تراهن على تغير داخلي إسرائيلي، وهي تتابع التحول المجتمعي المتواصل نحو اليمين، ومن ثم اليمين المتطرف.
اليوم سيكون العالم كله، أوله الإقليمي، ومن ثم الدولي، متفهماً لرد الفعل الفلسطيني، على تسليم نتنياهو مقاليد الضفة الغربية للصهيونية الدينية الفاشية، وحيث إن واشنطن نفسها، تفكر في عدم التعامل مع كل من ايتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، فإن ذلك يحرر الجانب الفلسطيني تماماً، من كل ما له علاقة بالتنسيق الأمني الميداني أو حتى البيروقراطي، مع هذين الرجلين، أي منذ اليوم الأول لتولي حكومة نتنياهو السادسة مقاليد الحكم، حيث يمكن للجانب الفلسطيني الإعلان رسمياً وعملياً عن عدم التعامل لا مع حرس الحدود ولا مع الإدارة المدنية، وبالطبع ليس مع وزارتي الأمن القومي، والمالية، أي مع الوزيرين بن غفير وسموتريتش.  
بالطبع تبقى شعرة معاوية معلقة بعقب "الشاباك"، أما التعامل مع المالية فقد يكون هو المشكلة، حيث ستزداد قصة تحويلات المقاصة تعقيداً، وهنا يمكن فقط لوسيط قد يكون هو الأردن، أن يحول دون تحول المواجهة بين مجموعات إلى مواجهة شعبية عارمة من الجانب الفلسطيني ضد كل أشكال الوجود الإسرائيلي في الضفة والقدس، وهنا تكمن الأهمية البالغة لبعد النظر الرسمي الفلسطيني بإطلاق المقاومة السياسية في الأمم المتحدة الخاصة بالتعريف القانون للاحتلال الإسرائيلي، لأن من شأن ذلك، إن لم يُحدث حراكاً دولياً لإنهاء الاحتلال، أن يتقبل مقاومته ميدانياً لكل أشكال المقاومة، بما فيها المسلحة.