رام الله - حسن البطل - النجاح الإخباري - المشهد، على التقريب/ نهاراً:

بعينيّ، كنت قد رأيت تلال رام الله (ضواحيها خاصة) قطيع خراف صافنة. أعرف أن التشبيه مسروق من «جياد صافنة». هذه أرض الصراخ وشعب الصراخ.
حقاً، رأيتها قطيع خراف في غير فصلٍ (في صحو أيام الشتاء خاصة).
بعينيّ، أيضاً، كنت رأيت التلال ذاتها سرباً من راقصات رقصة السماح الشامية. حقاً رأيتها هكذا في غير فصل (ربما في صحو أيام الصيف الفاضح).. وفي شتاء أبيض ثلجي، رأيتها مجموعة من الدراويش، في رقصة دوران صوفية.
كل ما رأيته من مشهد التلال في فصول العام، يعبر الذاكرة، ويبقى المشهد الأساس.
في معظم النهارات لمعظم الفصول والأعوام، تكون لهذه التلال هيئة حبّات البطاطا. بطاطا مهملة في سلّة المطبخ. بطاطا مصابة ببرصٍ أخضر. تقريباً، البطاطا هي بطاطا بكل اللغات. لكن، ليست أي تلال رأيتها، في أيام بلاد رأيتها، تشبه البطاطا.. التي هي تلال رام الله (محيطها خاصة). البيوت المتناثرة، عشوائياً، على تلال/ حبّات البطاطا، تشبه، قطعاً، عيون حبّة البطاطا. عيون مصابة بالرمد ربما من بكاءٍ طويلٍ صامت، لأنك لا تقشّرها لتأكلها.. ولا تزرعها.

المشهد، على التقريب/ ليلاً:
تلال حبّات البطاطا النهارية، المصابة ببرص أخضر، تتفتّح «عيونها» ليلاً. إذا نظرت إلى صفحة السماء، وإلى رؤوس التلال، قلت: تصير التلال مرآة السماء، وأضواء البيوت مبعثرة كما نجوم السماء. أو قلت: هذه إسوارة سماوية هبطت الأرض، أو هذه سفينة فضاء، كما «بابليون» في «ستار تريك». دائماً، إسوارة ليلية، أو مرآة صفحة السماء، أو سفينة بابليون التي تمخر في المستقبل. لماذا؟ رؤوس التلال مضاءة، وشيء مثل ثقب أسود، هو، في الحقيقة، الوديان التي بين هذه التلال. وديان خضراء وشجرية غالباً.

مشهد استثنائي، الثانية فجر الخميس الفائت:
برنامج «من يربح المليون» يُسلّينا قليلاً عن سؤال ممضّ: «أين ستكون الضربة». لا بدّ من سهرة الخميس/ الجمعة.
عند حافّة الربع مليون «تيَّس» المتسابق أمام سؤال: «كم ذراعاً للأخطبوط»؟. لا طاقة للأصدقاء الثلاثة على بدايةٍ جديدة، من حافة الـ 100 ريال: «رتّب الدول العربية التالية: شرقاً أو غرباً».
أخذنا برنامج خاص، في قناة أخرى، عن يوم القنبلة النووية فوق هيروشيما. أيّ شكل ترسمه القنبلة النووية لدى انفجارها؟ سؤال لم يطرح بعد في البرنامج. سؤال ساذج.. ربما!
قبل الثانية صباحاً/ فجراً/ ليلاً، كنّا على الشرفة: قنابل إنارة. حوّامات «أباتشي»، وعطاس «أف - 16». فجأة ارتجّ الهواء، وردة من نارٍ في حضن الأفق الغربي.. قليلاً قليلاً، ترتسم باذنجانة سوداء ضخمة على بعد 800 متر هوائي. شيء مثل هذا لم نره في غير بيروت ليلاً.
ثلاثة أصدقاء على ثلاثة كراسٍ بيضاء متشابهة تماماً. كراسٍ من البلاستيك. ثلاثة أصدقاء يُدخّنون ثلاثة أنواعٍ من السجائر. شيء من السينما، سينما الحرب، أو سينما الصعب، أو سينما الهلاك.
«كم ذراعاً للأخطبوط»؟ انسحب المتسابق؟ كم شعاعاً لمبنى «البنتاغون»؟ جاءت الضربة لما يسميه الإسرائيليون «البنتاغون الفلسطيني»، المقرّ العام للشرطة في الضفة.
إينا (واحد) ذيّو (اثنان) تريا (ثلاثة) بنتا (خمسة).. أكتو (ثمانية).. هكذا يعدّدونها في اليونانية، غير أن «البنتاغون الفلسطيني» أشبه بشكل ثلاثي، أو بجناحَي نسر أصلع، وتلك القبّة الذهبية، التي تقلّد قبّة الصخرة، هي بمثابة رأس النسر الأصلع. لن تلمع صلعته في ضوء النهار.
في أمسيات الأيام التالية، كانت هناك ثغرة سوداء في الإسوارة.. لكن، نهاراً، لا تزال تلال محيط رام الله أشبه بالبطاطا المهملة في سلّة المطبخ. تلال مصابة ببرص أخضر:
- «إياكم وخضراء الدمن»، قال رسول الله.
- «ما هي خضراء الدمن»؟ سألوه، قال: «الجميلة في منبت السوء».
- «إياكم وقشرة البطاطا الخضراء»: يقول الأطباء.
الضفة هي ضفة التلال. التلال أشبه بالبطاطا المخضوضرة. هناك زمن سوء في موطن الجمال. نحن في دائرة النار، ونقول: «على الباغي تدور الدوائر».
.. وليلاً، تهبط مجرّةً صغيرة من السماء إلى رؤوس التلال. تلال من البطاطا المهملة.

حسن البطل