نبيل عمرو - النجاح الإخباري - الفلسطينيون الذين يتعرضون الان لحملة عسكرية امنية فوق الاحتلال الشامل وطويل الأمد والاقسى من كل الاحتلالات التي عرفتها البشرية، ويسيرون كل يوم جنازة على فتى وفتاة. الفلسطينيون والحالة هذه يجدون متسعا في اهتمامهم لمتابعة ما يجري في أوكرانيا، والتقاط التشابه بين الحالتين الروسية الأوكرانية والفلسطينية الإسرائيلية.
الفوارق كبيرة وكثيرة بين الحالتين، من حيث الدوافع والقدرات والامتدادات الإقليمية والعالمية، الا ان الفلسطيني فُطر على المقارنة مع حالته التي هي في الواقع استثناء متفرد عن كل الحالات.
الفلسطينيون مختلفون في النظرة للحرب في أوكرانيا، الا انهم رغم الاختلاف متفقون على كثير من جوانبها وأبدأ بما هم مختلفون عليه أولا…
بعضهم يتفهم الدوافع الروسية وبعضهم الاخر يشفق على الشعب الاوكراني، وبعضهم استعاد من الذاكرة المواقف السوفياتية المؤيدة للشعب الفلسطيني واسقطها تأييدا لروسيا، وبعضهم الاخر يستذكر اجيالا متلاحقة تلقت تعليمها المجاني في اوكرانيا زمن الاتحاد السوفياتي وحتى بعده، ولديهم أولاد وبنات اخوالهم من ذلك الشعب الطيب.
بعضهم يستنكر أخلاقيا ومنطقيا غزو جيش كبير لبلد مجاور، والبعض الاخر يتحدث عن شطط اوكراني يجسده الرئيس زيلينسكي الذي يفاخر باسرائيليته اكثر من اوكرانيته وهذه وحدها كافية للتأثير سلبا على المزاج الفلسطيني.
غير ان ما يتفق عليه الفلسطينيون حيال هذه الحرب انهم يرون فداحة ازدواجية المعايير في التعامل معها بين صمت على ما يفعله الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين، وصوت مرتفع تجاه ما يُفعل بحق الاوكرانيين.
ومع الفوارق الهائلة بين ما يجري من حرب في أوروبا وبين ما يجري هنا، الا ان صناع القرار في إسرائيل خلقوا حالة شبيهة يجسدها وضع الدولة العبرية كلها تحت السلاح لمواجهة الفلسطينيين الذين لا يفكرون في الانضمام الى الناتو! ولا الى الاتحاد الأوروبي ولا الى أي جهة إقليمية او دولية تقول انها تريد القضاء على إسرائيل.
صناع القرار الإسرائيلي يضعون الدولة العبرية ذات الإمكانيات العسكرية والاقتصادية والتحالفية العملاقة تحت السلاح، في مواجهة شعب يبدو اعزلا بالمقاييس العسكرية، واشد فقرا بمقاييس مستوى الدخل والحياة، اما على مستوى التحالف فلاسرائيل العالم كله وللفلسطينيين الصفر.
كل هذا السلاح وكل هذه الإمكانيات العملاقة الموجهة ضد الفلسطينيين عبر الاحتلال، يسميها رئيس وزراء إسرائيل بالعصا التي يهوي بها كل يوم على رأس الفلسطيني، اما فتح معبر لمرور العمال او الطلبة راجلين وبعد تفتيش دقيق الى عملهم ومدارسهم وكلياتهم فهي الجزرة التي ينشد بينيت من ورائها ان يتخلى الفلسطيني عن حقه في تقرير مصيره والتمتع بحريته وكرامته وكيانيته الوطنية.
الفلسطيني يرى في الجزرة إهانة، اما العصا فلا مردود لها سوى جنازات متبادلة يعرف كيف تبدأ ولا يعرف كيف تنتهي.
عندنا هنا صراع يوشك على اكمال قرن تخللته حروب تقليدية ومقاومات وطنية ومحاولات لانهائه عبر صيغ هشة لا تقوى على الصمود امام وضع اول مدماك للبناء في مستوطنة ولا امام اول طلقة او قذيفة معتدية او مقاومة، واذا كان مثل ذلك حدث في مناطق عديدة من العالم وادى الى نهايات حروب وصناعة سلام، الا عندنا فقد سارت الأمور بصورة عكسية تماما اذ بين كل حرب وأخرى محاولة سلام فاشلة ،وبين كل محاولة وأخرى حرب اشد ضراوة مما سبقها، لذلك كلمة سر لم يحب ولم يرغب ولم يستطع الإسرائيليون الاعتراف بها، وهي ان شعبا يعد بالملايين لا يمكن ان تهدأ اجياله بينما الشعور الجمعي بفقدان الكرامة وابسط الحقوق يسيطر عليه، وبينما يرى نفسه وبفعل الحاح خصمه مجردا من ابسط واهم حق تتمتع به كل شعوب الأرض وهو الحرية والاستقلال.
لم يبدأ الصراع في جنين 2022 “م” ولم يتجدد في رمضان 1443 “هـ”، ولو كان الامر كذلك لانتهى كل شيء بحملة عسكرية وبجدار طوله سبعمائة كيلو متر وجدار اخر يجري التفكير فيه يفصل ام الفحم عن القدس.
صناع القرار في إسرائيل يركضون وراء وهم استسلام الفلسطيني بين شقي العصا والجزرة وسوف يواصلون الركض وراء السراب والنتيجة الواحدة والوحيدة انهم يواصلون احتلال انفسهم طيلة احتلالهم لنا.