عمر رمضان صبره - النجاح الإخباري - لقد أهداني الصديق جميل حامد رئيس ومدير دار الوسط للنشر والإعلام عام 2016، كتابًا للكاتب تميم منصور بعنوان "مذكّرات معلّم"، ولم يتوفر الوقت لي لقراءته، حتّى سمعت بخبر وفاته عبر صفحة الفيس البوك لزوجته الكاتبة شوقية عروق منصور، فتذكرت الكتاب، وقمت بقراءته حتى وضعت هذه الكلمات لقراءة الكتاب.

يقول الكاتب تميم منصور عن كتابة مذكّرات معلم "لا يمكن اعتبار المذكرات شاهدًا على العصر، أو شاهدًا على حدث من الأحداث، إلّا إذا كان صاحبها صادقًا وجادًّا في تعرية نفسه من جديد، حتى يصبح كالطفل الذي لا ينطق سوى بالصدق ولا غير الصدق".

يقول الكاتب عن أيضا "المُذكرات تعيد الحياة إلى الأحداث، بعدما كانت ميّتة، وهي أيضًا إعادة لتأبين الزمن الذي أصبح راكدًا، وإعادة لفتح تابوت الألم والحزن والصور والخيالات، والكشف من جديد عن القاب وأسماء طواها الزمن، وتفتح أبواب الفضائح، وتغلق نوافذ المجاملات والخجل، وتثبت رمال التاريخ المتحرك، وقد صدق قول الأديبة المبدعة "غادة السمان": حذاري من الذكريات والمذكرات، لأنها حرف جرٍّ الى التكرار".

كتاب "مذكرات معلم" صادر عن دار الوسط اليوم وشوقيات للإعلام والنشر بطبعته الأولى عام 2015 في 142 صفحة، ويختتم الكتاب بكلمة من الكاتبة العربية الشهيرة بفلسطينيي 48 شوقية عروق منصور وهي زوجة الكاتب.

لقد رحل الكاتب والمعلم والسياسي الوطني صاحب المواقف القومية، فقد انتمى للفكر الناصري والتحرري والإنساني، فقد كان ناصريًّا ومؤمنًا بالفكر الناصريّ، وكان صاحب موقف مبدئيّ لا يتغير، فقد انتمى للحركة الوطنية في الداخل المحتل عام 48، وانتمى الى حزب التجمع، ووقف ضد المؤامرات ضد سوريا والعراق، فكان يكتب ويحلل، وله موقف واضح لم يتغير، حتى انه خالف بعض رفاقه الذين وقفوا ضد النظام السوري، ووقف مع النظام السوري.

له أيضًا كتاب "الوحدة العربية" الصادر عن دار الوسط للنشر والإعلام، والعديد من المقالات والدراسات السياسية والتربوية والثقافية والتاريخية، وقد نشر في العديد من الصحف العربية، بالإضافة إلى مجموعة من الكتب ضمنها كتاب "مذكرات معلم" محل القراءة، بالإضافة لكتاب "الأمس لا يموت"، و "جمرات داخل رماد الأيام"، و "الحاضر الذي مضى"، و "أيام فلسطينية".

يكتب تميم منصور في كتابه "مذكرات معلم" حول تجربته كمعلم، من بداية تخرجه من معهد تأهيل المعلمين، وكما يتم بدولة الاحتلال، مرورًا بتعيينه مُدرّسًا، وعودته لاستكمال دراسته للحصول على اللقب الأوّل واللقب الثاني ، ويفتتح كتابه بالعنوان الأول "مدير ليوم واحد"، بطلب من رئيس مجلس قرية كفر قاسم، من أجل تعيينه مدير للمدرسة، وقد استلم العمل في اليوم الأول، حتى وصله اتصال هاتفي في وقت متأخر من رئيس المجلس القروي بالاعتذار، لأنّ وزارة المعارف وقسم التحريات يرفض تعيينه، بسبب انتمائه الحزبي ومواقفه الوطنية، حيث إنّ التعيين في المدارس العربية يتم عبر تدخّل الشاباك بالتعيين، وقد حدثت ضجة عام 2006 عبر الصحافة الإسرائيلية، إذ اعتبرتها فضيحة أن يتم تعيين المعلم والمدير في الوسط العربي عبر الشاباك، بدلا من مرجعية وزارة المعارف، وللكاتب مقابلات صحفية حول تجربته، وحول دور الشاباك من عدم ترقيته او إدارته لمدرسة.

ثم يتحدث الكاتب عن معاناته في التعليم، بالتنقل بين القرى النائية والقرة البعيدة، وعذابات التنقل، او استئجار بيت في قرية بعيدة عن مكان سكنه، وكيف أنّ وزارة المعارف الإسرائيلية لا تقوم بتعيين المدرس العربي وفق مكان سكنه، ولا تعطي له الامتيازات التي يحصل عليها المعلم اليهودي.

لقد تحدث الكاتب كيف تتعامل وزارة المعارف مع المدارس العربية، في فترات الستينات للقرن الماضي حتى سنوات الألفية الثانية، فقد تحدث حول عدم تعيين المعلمين غير المؤهلين من اليهود في المدارس اليهودية، وإنما تقوم بتعيينهم في المدراس العربية، فقد كان معه في كادر التعليم في مدراس كفر قاسم معلمون يهود من أصل عراقي، وقد اعترف له أحدهم بعدم تدريسهم في المدارس اليهودية، بسبب عدم الكفاءة والتأهيل التعليمي لهم.

كما تحدث الكاتب عن مشكلات التعليم في الوسط العربي خلال فترة عمله، فتطرق لعشرات القضايا التربوية والتعليمية في كل مدرسة عُيّن بها، كالرحلات المدرسية، والجانب الترفيهي والصحي، والتعليم اللامنهجي، وتعيين المعلمين، وتدريسهم لمواد ليست من ضمن تخصصهم، فمدرس متخصص في العلوم يُدرّس مواد التاريخ والدين، بالإضافة لتعيينات بالواسطة، وتعيين مدراء المدارس والمفتشين نتيجة الوعود الانتخابية والواسطة والمحسوبية لدى رئيس المجلس المحلي ووزارة المعارف.

لقد كانت وزارة المعارف الاسرائيلية منذ نشأتها الى اليوم تمارس سياسة التجهيل للطلاب العرب، ولا تقدم لهم الحد الأدنى مما يقدم للمجتمع اليهودي، وقد عبر عن مواقفه الوطنية بانه ناصري ويدافع عن عبد الناصر، أكثر من بعض المثقفين المصريين الذين جاؤوا الى إسرائيل مع التطبيع الذي هاجم عبد الناصر، وكان له موقف من التطبيع حدّ الاتهام بالخيانة (ان صح التعبير) نتيجة التطبيع، فعندما وقف يتصدى للأديب المصري المطبع حسين فوزي لهجومه على عبد الناصر، ودعوته للسلام مع إسرائيل، فتصدي الكاتب له أدى لعدم اكتمال المحاضرة، فقال حسين فوزي:

     - "لم أتوقع أن أجد عبد الناصر أمامي في (إسرائيل) بهذه القوة!".

تحدث الكاتب عن موضوع التعايش بين العرب واليهود، حيث كان له موقف من هذا المشروع الذي بدأت وزارة المعارف الإسرائيلية بالعمل عليه، فتقوم بعمل برامج كحضور مسرحية لطلاب عرب ويهود، وكيف أدت هذه الاجتماعات الى خلافات حادة لموقف اليهود العدائي اتجاه العرب، حتى أن مديرة البرنامج قد ظهرت على التلفاز تهاجم العرب، وهي مديرة برنامج التعايش.

وتحدث الكاتب عن دور المكتبات بالمدارس واهميتها، وكيف يتم التعامل مع المكتبات عندما يتم تعيين امين مكتبة متخصص، فيقدم الدور المطلوب من المكتبة، تقدمه للطلاب والكادر التعليمي، وكيف أدت بمدير مدرسة تم تعيينه نتيجة الوعود الحزبية الى تخريب المكتبة.

لقد عبر الكاتب في ملاحظاته قائلا: "لم أذكر في هذه المذكرات كــلّ الــحــقّ، لكنّني لم أذكرْ فيها إلّا الــحــقّ، والعِبرة التي أضيفها أمامَ كلّ مَن يفكر، أن يحملَ أداة للكتابة وأقول: الكتابة ترتبط ارتباطا عضويًّا بالحرّيّة، فعندما لا تكون حرّيّة، لا تكون كتابة"

ويعترف الكاتب وهو يتحدث عن تجربته بتصحيح امتحان البجروت الإسرائيلي: "أعترف بأنني وقفت إلى جانب الطالب دائمًا، حتى عندما كنت أجد قصاقيص ورق "النقل" (الغش) داخل الدفاتر، فكنت أخفيها وأمزقها بصمت، حتى لا يضطرّ الطالب إلى إعادة الامتحان مرّة أخرى، مع أنّني أعرف أنّ هذا الأمر سيغضب البعض".

لقد رحل تميم منصور تاركًا ارثًا ثقافيًا وكتابات إبداعية متنوعة بين الأدب والثقافة والتاريخ، وكتب عن دار الوسط للنشر والإعلام أيضًا كتابًا حول "العرب بين الوحدة والانفصال"، وكتابًا اخر حول "الانقلابات العسكرية في البلاد العربية".

إنّ تكريم الكاتب والمبدع وهو حي أفضل ألف من مرة من تكريمه بعد الوفاة. وقد صدق الشاعر احمد شوقي حينما قال: قم للمعلم وفه التبجيلا كاد المعلم ان يكون رسولا.