نابلس - صادق الشافعي - النجاح الإخباري - من غير الدقيق إطلاق أحكام نهائية وقاطعة من خلال ما حصل في الأسبوع الماضي وما زال مستمراً في أفغانستان.
كثير من الأمور لم تستقر أوضاعها ولم تصل الى خواتيمها بعد، ولا تزال الاحتمالات فيها مفتوحة مهما كانت محدودة.
يستثنى من هذا الكلام عدد من العناوين دخلت في دائرة الحقائق أو تدق بابها بقوة.
تبرز من بين هذه العناوين ثلاث حقائق:
الحقيقة الأولى، أن حركة طالبان قد أحكمت سيطرتها على كامل جغرافية أفغانستان وأنها أصبحت القوة المسيطرة والمقررة فيها، خصوصاً وأن الجيش الذي بناه الأميركيون ودربوه وسلحوه لم يقم بأي مقاومة او دور، وان رئيس البلاد السابق قد غادرها مع قلة من اتباعه المقربين حقناً للدماء كما اعلن، وانتهت حكومته التي كانت قائمة وانتهى أي دور لها.
هذه الحقيقة لا تزال لم تستقر تماماً وبحاجة لكي تستقر الى:
أولاً، التبلور في أجهزة الدولة والحكم واستلام المسؤولية كاملة في البلاد، وصولاً إلى تشكيل حكومة تقود البلاد ببرنامجها ودوائرها وأجهزتها المتخصصة.
ولا يبدو ان تحقيق هذا الهدف سيأخذ وقتاً طويلاً، خصوصاً وان قادة طالبان الأعلى في المراتب التنظيمية والمسؤولية قد بدؤوا العودة السريعة الى البلاد، والى مواقع المسؤولية والقرار، وانهم بدؤوا تحركهم لتحقيق هذا الهدف فيما بينهم وبمحاولة التفاهم مع قوى أخرى.
ويتزامن ذلك مع تحرك وجهود رموز قيادية سابقة ومعروفة من خارج طالبان لتحقيق نفس الهدف، مثل الرئيس كرزاي وعبد الله عبد الله.
وثانياً، الاتفاق على برنامج الحكم وإعلانه بقواعده المفصلية وبعض تفصيلاته شديدة الخصوصية مثل الحريات العامة، الموقف من المرأة ودورها، طابع وطبيعة العلاقات مع الدول الأخرى. وأيضاً طبيعة وجود ونشاط القوى الأخرى الإشكالية والجدلية (مثل القاعدة وداعش) وشروط وجودها في البلاد، إضافة الى دور دولة أفغانستان في المنطقة ....إلخ.
الحقيقة الثانية: ان هناك مؤشرات واضحة على تغييرات معلنة حصلت في فكر ومفاهيم وبعض رؤى ومواقف حركة طالبان عما كانت عليه في تسعينيات القرن الماضي. وباتجاه أكثر عقلانية وواقعية وانفتاح على الآخرين، لدرجة تدفع البعض للمبالغة بالقول إن طالبان الآن ليست هي طالبان أيام زمان.
هذه الحقيقة أيضاً لا تزال بحاجة الى التوضيح والتأكيد بترجمات ملموسة، واقعية وعملية في برامج العمل وفي الاستعداد للقبول بالقوى الأخرى وقبول مبدأ التعاون معها، وفي المواقف والممارسات.
والحقيقة الثالثة، ان الولايات المتحدة الاميركية الدولة الأساس والأولى وصاحبة الدور المركزي في كل قضية أفغانستان والصراع حول إدارة حكمها مع طالبان طوال السنوات العشرين الماضية، خرجت من أفغانستان وهي في حال جدل داخلي واسع وعميق - وخلافي في الغالب- حول ذلك الدور ومدى النجاح فيه. وخلافي أيضا حول القرار بالانسحاب من أفغانستان- ومدى صحة هذا القرار لجهة الأساس والمبدأ، ولجهة التنفيذ والتوقيت والإجراءات. ودون إغفال الجدل الخارجي مع الحلفاء.
ويصل الجدل الخلافي الداخلي في بعض حالاته الى درجة من التطرف تعتبر ما حصل هزيمة وفشل للولايات المتحدة، ممثلة في إدارتها الحالية.
وذلك على الرغم ان الدور الأميركي في أفغانستان امتد وتواصل عبر ثلاث دورات/إدارات رئاسية (بوش الابن-أوباما- ترامب) قبل أن يصل إلى إدارة الرئيس الحالي، بايدن.
لا شك أن هذا الحال من الجدل الخلافي وما يوجهه من سهام، سوف يؤثر ويرمي بظلاله على طريقة وأدوات معالجة الإدارة الأميركية الحالية لبعض الملفات الإشكالية التي ما زالت مشتبكة بها ولا يزال لها دور رئيسي في معالجتها.
وفي الأولوية من تلك الملفات: الملف الإيراني، وملف الصراع الوطني الفلسطيني مع دولة الاحتلال الاسرائيلي.
ولا شك أيضا، ان الوضع في أفغانستان، والحال الذي سوف يستقر عليه، تحت حكم طالبان منفرداً - او مع بعض التحالفات السياسية او المذهبية - والخط والبرنامج الذي سيتبعه والأولويات التي سيتبناها سوف يلقي بتأثيراته ومفاعيله على الأوضاع العامة في منطقة الجوار وتوازناتها وتحالفاتها، وسيكون هو أيضا عرضة للتأثر بما يحصل فيها.
يعزز هذا الاحتمال، أن أفغانستان تبقى محط أنظار قوى ودول عالمية سواء بسبب مواردها الطبيعية المغرية أو بسبب موقعها الجغرافي.
خصوصاً وأنها تمتلك حدوداً مع ست دول آسيوية وكلها برية وجبلية (طاجاكستان، وأوزبكستان، وتركمانستان، وإيران، ولها حدود طولها 76 كم فقط مع الصين، بينما يتجاوز طول حدودها مع باكستان 2000كم).
 في مثل هذه الأحوال والأوضاع، فان الأمور تبقى مفتوحة على احتمالات يصعب التنبؤ والجزم بها، ولا يبدو صحيحاً او مناسباً التسرع بإعلان المباركة لطالبان وإعلان الانحياز لها، من أي خلفية جاءت المباركة وتبعها الانحياز.