وكالات - حسن البطل - النجاح الإخباري - ربّما عليّ "تنبيش" عبارة عربية عتيقة، وإعادة استخدامها في توصيف حالة العبور والمعابر، أو بالذات عبور جسر الكرامة، خاصة في عجقة عبور الجسر صيفاً.. وهذا الصيف بالذات مع لغوصة مستجدة هي حجز رقم على "المنصة"، وإجراءات شهادة "التطعيم"، وتأكيدها قبل 72 ساعة من سفر الجسر، إلى مكاتب سمسرة حجوزات المنصة.
كانوا، في غابر الأزمان، يستخدمون عبارة "وعثاء السفر"، وفي الزمن الحاضر لم يسحبوا من الاستخدام عبارة غابرة، هي "شد الرحال" إلى المسجد الأقصى. الرحال من الراحلة، وهي قوافل الجمال في نقل الحجيج أمام "سفر البر".
في صيف عامنا الكوروني هذا، شديد القيظ، يليق بعبور الجسر، بمحطاته الثلاث، وصف "وعثاء السفر". في غير الصيف، وشهر الإجازات، قد يحظى المسافر بانسياب نسبي في حركة اجتياز كيلومترات معدودات بين المحطات الثلاث، مع قليل من الشربكة الإسرائيلية يومي الجمعة والسبت؛ والفلسطينية مطلع الأسبوع وآخره.
كما في التمييز الأوسلوي للضفة الغربية، الذي كان مرحلياً وصار دائماً بين مناطق (أ. ب. ج)، فإن بطاقة عبور الجسر ذات ثلاثة ألوان: خضراء، صفراء.. وزرقاء، ذات الأفضليات المتفاوتة في عبور المحطة الأردنية، ولا أفضلية في المحطتين الفلسطينية والإسرائيلية.
الحال، أن المسافر الفلسطيني، وحده من بين شعوب دول العالم، يسافر عبر الجسر ليسافر عبر مطار عمّان الذي "يوزعنا على المطارات"، كما كان مطار أثينا كما قال شاعرنا القومي.
بعد خروج بيروت، كتب الشاعر معين بسيسو قصيدة معنونة: "سفر.. سفر" ولا أعرف بأي جواز/ جوازات كان يسافر، هو والشاعر درويش، الذي قال، قبل أوسلو، على المسافر الفلسطيني أن يختار "حقائب قوية" قبل أن يبسطوها إلى حقائب جر بعجلات. لم أفهم لماذا قال إدوارد سعيد إنه يملأ في سفراته حقائب عدة، تحسباً لعدم العودة، علماً أن جواز سفره أميركي معتبر.
كان الفنان مصطفى الحلاج كثير الأسفار: حقيبة لسفرات الصيف وأخرى للشتاء.. جاهزة ومرتبة دوماً.
حصلت مفارقة لطيفة، لما زارنا في نيقوسيا، الشاعر معين بسيسو، وبعده بأسبوعين الشاعر درويش، الذي كان يتردد علينا في سفرات دورية بين تونس وقبرص، للإشراف على عدد جديد من دورية "الكرمل".
المحرّر سأل بسيسو عن رأيه في قصيدة مشتركة مع درويش خلال حصار بيروت.. فأثنى عليها. لكن لما سئل درويش قال: "هذه كانت نكتة مشتركة" فلا تنشروا رأيي "ما بدي أعْلَق مع أخي معين".
"كيف ستقيمون دولة".. سألنا مرافقنا المستعرب ألكسي اللكسييف، لما كنا وفداً للمشاركة في احتفالات جمعيات الصداقة الروسية بـ "يوم التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني" في 29 تشرين الثاني، حيث كان أعضاء الوفد يحملون جوازات دول مختلفة، أو وثائق سفر، وحتى وثائق مرور.. والطريف أن أردنياً كان يحمل جوازاً أردنياً مزوراً.. وتم حل الإشكال ودياً.
الآن، لم تعد جوازات السفر كما كانت، تحوي خانة تجديدات، وصارت تصدر مرة كل خمس أو عشر سنوات. كان الفنانان حسيب الجاسم ومحمود الداورجي، رحمهما الله، يجددان لنا جوازات/ وثائق السفر، إما ببيضة مسلوقة ساخنة، أو بحبة بطاطا، في نسخ تجديد الجواز.
كان مطار لارنكا القبرصي أحبّ عليّ من مطارات المنفى، من حيث سهولة السفر والعودة لمدة 13 عاماً، وحل مطرحه مطار عمان.. لكن بعد "وعثاء" سفر الجسر. إجازتي هذا العام "تخربطت" فلم أسافر إلى لندن، ولم ألتقِ ابنتي وحفيدي في عمان بسبب طارئ، وكانت الإجازة تشمل سفرة إلى بلغاريا، بعد عمان، لكن القنصل في رام الله كان في إجازة مع بدء آب شهر الإجازات في دول نصف الكرة الشمالي.. مع منغصات عام الكورونا وحرارة فوق معتادة.. و"وعثاء" سفر الجسر. نحن الشعب الوحيد بلا مطار ولا ميناء، ولا حل جذرياً سوى بمطار فلسطيني، أو جناح فلسطيني في مطار اللد، ورصيف فلسطيني في ميناء حيفا.