نابلس - صادق الشافعي - النجاح الإخباري - بعد جدل حام ومتصاعد صدر ليل الخميس قرار تأجيل الانتخابات التشريعية.
القرار صدر عن اجتماع ما يطلق عليه «القيادة الفلسطينية». وهي تتشكل من اللجنة المركزية لحركة فتح وأعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير (لم يحضروا كلهم). وغابت عنه تنظيمات فلسطينية أساسية مثل حركة حماس والجبهة الشعبية وحركة الجهاد الإسلامي.
الدافع الوحيد المعلن وراء القرار هو رفض دولة الاحتلال اجراء الانتخابات في القدس (ترشيح ودعاية انتخابية وتصويت). لذلك جاء التحديد الوحيد حول مدة سريان التأجيل مرتبطاً فقط بتغيير موقف دولة الاحتلال باتجاه السماح بإجراء الانتخابات في القدس.
سبق الاجتماع المذكور وقرار التأجيل بعض التحركات الجماهيرية ومواقف من أكثر من جهة ومن أكثر من قائمة انتخابية تعلن رفضها لفكرة التأجيل التي كانت متداولة، وتعلن التمسك بعقد الانتخابات التشريعية في موعدها.
اسوأ ما في القرار، مهما اختلف الموقف منه ومن صحته، واختلفت الرؤية لمحركاته والدوافع من ورائه:
أولاً، أنه جاء صدمة قاسية لطموحات ورغبات جموع اهل الوطن، وخيبة امل لتوقهم الى ممارسة حقهم الأصيل في الانتخاب الدوري لهيئاتهم الدستورية والقيادية.
خصوصا وان هذه الانتخابات تأتي بعد غياب 16 عاماً. وهذا ما يفسر الاقبال الشديد جداً على التسجيل في لوائح الناخبين حتى تخطت النسبة 90%، وبدرجة اقل قليلا في تضخم عدد القوائم الانتخابية حتى تخطى عددها الثلاثين.
وثانياً، انه يفتح الباب واسعاً ومرحباً لعودة سريعة وحامية لأجواء التأزم والخلاف العميق التي كانت سائدة بفعل الانقسام المتجذر قبل الاتفاق الفصائلي الأخير في القاهرة.
وبشائر هذا التأزم لم تتأخر ابداً وكان حضورها فورياً.
من جهة أخرى فان قرار التأجيل وسببه المعلن (موقف دولة الاحتلال بمنع الانتخابات في القدس) يطرح سؤالاً بحجم خيبة أهل الوطن الكبيرة:
والسؤال هو: لماذا لم يكن هذا الامر المركزي في أهميته ( اجراء الانتخابات في القدس) بنداً على جدول اعمال جلسات الحوار الذي دار بين التنظيمات الفلسطينية في القاهرة بجلستيه، ولا بعدها، ولماذا لم يتم الاتفاق على نهج واسلوب التعامل معه؟
خصوصاً، وان درجة عالية من التفاهم سادت جلسات الحوار المذكور وكانت تسمح بنقاش هذا الامر والاتفاق على كيفية التعاطي معه.
سواء كان ذلك لجهة المبدأ، وهو التمسك بحق اهل القدس بإجراء الانتخابات في القدس بكل تفاصيلها من الترشيح الى الدعاية الانتخابية الى التصويت في داخل مدينة القدس ذاتها.
او لجهة تكتيك التعاطي مع رفض دولة الاحتلال المتوقع عند الضرورة.
وخصوصا أيضا، ان استقراء موقف دولة الاحتلال الرافض والمعيق كان سهلا وبدرجة عالية جدا من الصحة، لأن موقفها لا بد ان ينسجم مع طبيعتها التي ترتاح لحال الانقسام الفلسطيني واستمراره، وأنها لا تخفي سعيها لتغذيته وتشجيعه.
بالذات، وبالزيادة فوق ما تقدم، لأن الامر (الانتخابات في القدس) يحصل بعد الاعلان الصريح للرئيس الأميركي السابق اعترافه واعتراف دولته بالقدس العاصمة الموحدة لدولة الاحتلال وسيادتها المطلقة عليها، وبعد نقله سفارة بلده «أميركا» اليها، وتبعته بعض الدول الاخرى.
وهذا مما يضيف الى تعامل دولة الاحتلال مع وضع القدس بعدا سياديا يزيد من تمسكها وتعنتها وعنصريتها.
هل يكون الجواب على هذا السؤال هو حسابات وطموحات تنظيمية خاصة، فرضت نفسها هنا، كما فرضت نفسها في القفز فوق أولوية مناقشة وحل الخلافات المتجذرة القائمة قبل الذهاب الى الانتخابات؟ وكما فرضت نفسها أيضا في تجاهل الأساس السياسي الذي تقوم عليه الانتخابات نفسها والقفز فوق مناقشته والاتفاق عليه؟
رغم ردة الفعل السلبية على قرار التأجيل من عدد من التنظيمات، فان الوقت لم يفت بعد، بل هو ضاغط وملحّ ويستدعي مبادرة تدعو الى لقاء جديد لكل التنظيمات لمناقشة الوضع والاتفاق على تراشق الاتهامات وتعميق الخلافات، والاتفاق بدلاً عن ذلك على تصور مشترك لكيفية التعامل مع قرار الـتأجيل وكيفية التعامل مع موقف دولة الاحتلال ووسائل الضغط عليها.
وأيضاً، لتحريك وسائل ومداخل الضغط العربية وصولاً الى تنظيم تحرك عربي جماعي يقود العمل على المستوى الدولي للضغط على دولة الاحتلال لتغيير موقفها لصالح اجراء الانتخابات لأهل القدس وفي القدس، فهذا حق وهدف لا يجب التراجع عنهما ولا المساومة عليهما.
فمن يعلق الجرس؟ هل تكون تنظيمات فلسطينية، او شخصيات وقوى مجتمع مدني فلسطينية، او جهات عربية؟
ولماذا لا ترفع مصر راية الدعوة وتكمل دورها المشكور؟!.