أحمد حمودة - النجاح الإخباري - كشفت أزمة الكورونا فيروس أغلب المشاكل التي يعاني منها الإعلام الفلسطيني الأمر الذي دعى البعض لأنّ يصفها بالمشاكل ذات الأشكال المتفرقة، لكنّنا في هذه المقالة سنسرد تشخيصا أعمّ وأدقّ بوصفها (أزمة نسقيّة شاملة). إذ نلاحظ بأنّ كل ما تعانيه الصحافة في فلسطين ليست بسبب مشاكل قطاعيّة أو جزئية بل بالنظام أكمل، دون أن ندخل في أي اعتبارات نظريّة. والحاصل أنّ النظام السائد في المجتمع الفلسطيني لا يشرّع إلى أي نوع من إصلاح الإعلام العمومي.

 ولك أن تتخيل بعد كل السنوات السابقة عدم توّفر مؤسّسة إعلامية لقياس الجمهور ذات مصداقيّة ويثق بها الناس، علاوةً على أنّ سوق الإعلان (الإشهار) غير منظّم وشفّاف بالمعايير العالمية، وفي سياق متّصل توجد صحافة الكترونية تشتغل بمؤسسات صغيرة فيها أربعة صحفيين، ناهيك عن تهديدات منصات الميديا الاجتماعية، وهناك صحفيون يشتغلون في ظروف سيئة وسيئة جدا، ومؤسسات إعلامية لديها مشاكل التمويل، وغياب التنظيم الذاتي تقريبا في المشهد الصحفي، والصحافة الورقيّة تعاني من موت سريري،  فما هو الحاصل؟

   الحاصل أنّ الإعلام الفلسطيني لا يقوم بدوره من تفسير واستقصاء وتحرّي، وغير قادر على إنتاج صحافة الجودة. الأمر الذي يجعلنا نصفه بـ (صحافة أستوديو) تقدّم مضامين خبريّة وليست إخباريّة على طوال العام، والأبرز من كل تلك المشاكل عدم السماح للنظام الإعلامي بالقيام بدوره الرقابي على السلطة السياسية والاكتفاء فقط بنقل تصريحاتهم (صحافة جالسة).

  وبعد كل هذه المقاربات يجب أن نكون صُرحاء في الطرح والتشخيص. فالنظام الإعلامي في فلسطين قد يشهد انهيار، وهو ما ينذر بأن يتحوّل إلى تهديد لأيّ عمليّة انتقال ديمقراطي تمكّن المواطنين من المشاركة في الحياة السياسية لا الحزبية. فعندما تسقط الصحافة في وحل الاستقطاب السياسي، وتكتفي بتزويد المواطنين بآراء ولا تقدّم لهم الفهم لمجريات الأحداث الواقعة حتى يكون لهم رأي خاص يشاركونه في الحياة المجتمعية، فهذا كله أيضًا من شأنه أن يهدّد العدالة الانتقالية في فلسطين كون الأمر مرتبط بأزمة الإعلام أيضا.

  أخيرًا، إن عملية إصلاح الإعلام ليست مطروحة لدى النخبّة السياسية في فلسطين بل وتأخرت، لأنّها تتعامل بطريقة مصلحية انتهازية فهي لا تريد إصلاح الإعلام بل وتعطّل من ذلك. الأمر الذي أوجد تفشي ظاهرة التحام النخبة الصحفية بالنخبة السياسية بمعنى أنهم أصبحوا يكوّنون مصطلح (الطبقة السياسية الإعلامية) ويتبادلون المصالح والمنافع وخاصة المصالح الرمزية، لأنّ النخبة الصحفية تحتاج النخبة السياسية لتأثيث المشهد الإعلامي والسياسيون يحتاجون أولئك باعتبارهم وسيط إلى الرأي العام. فما وصلنا إليه من تشخيص لواقع الإعلام الفلسطيني هو دليل على وجود (الأزمة الشمولية النسقية الكاملة).

 باحث في علوم الإعلام والاتصال الرقمي