النجاح الإخباري - ظواهر الفلتان والفوضى والعبث بأمن المجتمع تبدأ صغيرة، وفي مناطق متعددة وبعينها، ثم تتضاعف وتتمدد، وتصبح جزءا من الواقع. وكلما تراجع دور المنظومة ألمنية والقانونية، كلما ملأ الفراغ المخربون والمأجورون، والعكس صحيح. ومحاولات العبث بالمجتمع الفلسطيني وخاصة في الضفة الفلسطينية ليست جديدة، غير ان أجهزة الأمن الوطنية جردت حملات تنظيف على البؤر المستهدفة من قبل جماعات التخريب والتكفير وعملاء دولة الإستعمار الإسرائيلية، وتمكنت من تحقيق إنجازات هامة على هذا الصعيد. بيد ان قوى الهدم والتخريب لم تتوقف عن محاولاتها العبثية، وتحاول في الجنوب والشمال والوسط الإصطياد بالمياة العكرة، وإستغلال الظروف المعقدة، التي تعيشها السلطة ومؤسستها الأمنية وخاصة بعد التحلل من كل الإتفاقات المبرمة مع دولة الإستعمار الإسرائيلية في 19 ايار / مايو الماضي (2020)، اعتقادا منها أن مناخ الفوضى أمسى أكثر ملائمة، وإمكانية القفز على سطح المشهد الإجتماعي، وتثبيت الأقدام في الشارع، وفرض إزدواجية السلطة اصبح "ناضجا" و"متوفرأ"، إعتقاداً من ادوات التخريب، ان الساحة باتت خالية لهم ولمشاريعهم التآمرية.

وهذا ما حصل أول امس في محافظة جنين، حيث قامت عصابة من اربعة اشخاص وهم مسلحين بإختطاف فتى إتهموه بالسرقة، وعقدوا له محاكمة صورية في الشارع العام، وأجبروه على طلب العفو العام من الشخص المدعي عليه، كي لا يقيموا عليه الحد؟؟؟!!! وفق ما تداوله مستخدموا مواقع التواصل الإجتماعي، وحسب ما صرح به صباح أمس السبت محافظ محافظة جنين، أكرم الرجوب، والذي اكد تمكن قوة امنية مشتركة من القبض على الأشخاص المشبوهين المتورطين في الجريمة الخطيرة، والسابقة التي تبعث على القلق الشديد. لا سيما وانها جريمة من طراز الجرائم الداعشية التكفيرية، التي تهدد السلم والأمن المجتمعي، وتضرب بعرض الحائط بمكانة النظام والقانون ودور السلطة التنفيذية وخاصة جهازي الشرطة والمؤسسة القضائية، التي تحمي القانون العام.

لم يكن بروز هذة المجموعة، كما ذكرت عقفويا، ولا بالصدفة المحضة، ولا نزوة إنفعالية من مجموعة من المتورطين فيها، ولا هي شكل يقتصر على الإستعراض، وعرض العضلات، انما الجريمة عمل مدروس، ومخطط له، ومعد سلفا. لإن قيام مجموعة مكونة من اربعة مثلمين ويحملون السلاح، ويختطفون طفلا، ومعهم المدعي على الطفل، وإجراء المحاكمة في الشارع العام، هو جرس إنذار خطير، يشير بشكل جلي، ان المجموعة الخارجة على القانون، ليست لوحدها، ولم تنفذ ما نفذته بشكل إعتباطي، لذا امر مواجهة المجموعة والجريمة لا يتوقف عند حدود إعتقال هذة العصابة "الداعشية" لوحدها، بل يجب ملاحقة كل من يقف خلفها كائنا من كان شخصا او حزبا أو حركة أو دولة، ورد الصاع خمسين صاعا، وليس صاعين، حتى تكون عبرة لما يعتبر، وتقطع جذورها من الشرش، من الأساس. والعمل على تعزيز دور المؤسسة الأمنية في الشارع والمدينة والقرية والمدرسة والجامعة والجامع والكنيسة والسوق والأحياء جميعا، وفي كل انحاء المحافظة، وكل محافظات الوطن دون إستثناء. لإن من يقف وراء الجريمة الخطيرة حسبما أعتقد أجهزة الأمن الإسرائيلية وادواتها في الساحة الفلسطينية، كونهم يهيؤوا المناخ لنشر الفوضى في الساحة الفلسطينية كمقدمة لخلق بدائل عن قيادة منظمة التحرير، وسلطتها الوطنية، وضرب ركائز المشروع الوطني برمته لتمهيد الطريق لتمرير صفقة العار الترامبية وجزئيتها عملية الضمم للإغوار.

ولا يكفي ردا عليها (الجريمة) تعزيز الأمن والنظام في المحافظات والمدن والقرى، انما يحتاج المجتمع إلى مضاعفة عملية التوعية الوطنية، ونشر الثقافة القادرة على صد هجمات قوى الشر والجريمة والردة التكفيرية، ووقف المظاهر الخاطئة في الشارع التنظيمي والسياسي وعمليات الإستقطاب هنا وهناك، وترك الساحة للعبثيين، زنادقة الجماعات الإسلاموية الخارجة على الدين، والمتاجرة به، والمتورطة مع أجهزة أمن إسرائيل الإستعمارية. كما وتملي الضرورة على جسر الهوة مع الشارع الفلسطيني، وتوطيد العلاقات مع الجماهير في الخرب ومضارب البدو والمخيمات والمدن والقرى دونما إستثناء. والنقطة الأخيرة أكثر من ضرورية، وحاجة ماسة لإعادة الإعتبار لللمنظمة والسلطة والأجهزة الأمنية. ولا بد من مكاشفة الجمهور أولا بأول حول كل قضية فساد، وعملية تخريب، ونشر الأسماء والقوى التي تقف خلفها لتعريتها، وفضحها، والتشهير بها، ورفع الغطاء الوطني عنها اي كانت. لا مجال للمهادنة والمراوحة وبوس اللحى، وقبول الإبتزاز، بتعبير أدق، لا بد من حمل العصا الغليظة مع الحملة الإعلامية الثقافية لترشيد الوعي لفرض القانون والنظام وحماية السلم الأهلي المجتمعي. دون ذلك سيكون الوضع في غاية الخطورة، ومن لا يحمي نفسه ومجتمعه، ليس أهلا لإن يقود الأمن.