نابلس - موفق مطر - النجاح الإخباري - الأرض دون إنسان بلا قيمة حتى لو كانت جبالها ذهبا، والإنسان دون أرض ووطن بلا كرامة ولا قيمة حتى لو تربع على عرش من ذهب.

سر علاقة الانسان بأرض الوطن لايحتاج الى نظريات علمية أو  بحوث أو دراسات، فهي بكل بساطة علاقة جدلية لم يتمكن ولن يتمكن باحث في هذا العالم على  تحديد لحظة ابتدائها، ذلك لاعتقاد الانسان أن كينونته نشأت على الأرض، وأن الأرض على عظمتها قد سخرت له لتكون موطنه يزرعها ليأكل، يعمرها ليسكن، يستثمر مواردها لضمان وجود سلالته من بعده.

يمنح الانسان الأرض هويته، ويكتشف فيها ما يعتقد أنه سر حياته وروح ثقافته، لكن ألا تمنح الأرض الإنسان هويتها فيصير عنيدا ثابتا قاسيا كصخورها وجبالها، ويصير مشعا بفكره كإشعاع الشمس في سمائها، ومعطاءً كزهور ربيعها، رقيقا كجداولها وينابيعها، حاميا لكينونته كشوكها.

لا يحتاج  الإنسان إلى كتب وروايات وأساطير ليعتقد بالخير والسلام الأبدي الكامن في أرض وطنه، إذ يكفيه التفكر كلما أكل من زيتونها، وشرب من عصائر فاكهتها، وينابيعها، وتداوى من اعشابها، أو كلما وضع يديه على اثر من آثار آبائه الأولين ليدرك أن الخلود كامن في ثناياها، وأن الفوز بالسلام عليها لا يحتاج لأكثر من ايمان وإرادة وعقل وفكر وعمل لحمايتها ومنع اغتصابها.

منذ مئة عام والفلسطينيون يحاولون تجسيد مبدأ خلود الانسان بسلام على أرضه، يعتقدون أن هويتهم التي استمدوها من الأرض، والتي أعطتهم أرض وطنهم إياها مقابل الحب وأن زمانهم بماضيه وحاضره الذي كان ومازال هنا مرتبطا بمستقبلهم عليها ارتباطا ابديا لا انفكاك منه أبدا، لأن الانفكاك يعني موتا بطيئا، وفي أحسن الأحوال انسلاخا من  فكرة الوطن التي هي روح كل مخلوق.     

 يحتفل الفلسطينييون منذ 43 عاما بيوم الأرض في الثلاثين من شهر آذار من كل عام، لكنهم منذ مئة عام تقريبا لم يمر يوم دون تجديد العهد والوفاء لمانحتهم سر حيواتهم، يحتفون بأرض وطنهم حيث يتم تبادل أسرار ديمومة الحياة، فوحدهم الفلسطينيون يعرفون مفاتيح وأسرار الخلود عليها، أما الغزاة الغرباء المغتصبون فإن الأرض تلفظهم، لأن إنسانها لا يتعايش مع من يأتيه غازيا محتلا أو مستوطنا أو مستعمرا عنصريا.. فكل فلسطيني هنا جبل لا يقوى على بلوغ ذروته الغزاة واللصوص والقراصنة!.

يحتفل الفلسطينيون بيوم الأرض، وكأنهم يرتلون آيات وأسفارا في الحب الخالد لأرضهم، لاعتقادهم ان هذا الحب يمنحهم الرحمة والسلام من السماء، وتمنحهم العزة والقوة ليصبح كل فلسطيني على الأرض جبلا.

يشبه يوم الأرض الفلسطيني، استقرار سفينة نوح على الجودي، وبدء العد العكسي لانحسار الطوفان، وعودة الحمامة  بغصن الزيتون الأخضر، فالأرض ستعود الى أهلها الذين كانوا على يقين أنها ستعود إليهم ويعودون اليها، تماما كالفلسطينيين، لم يستسلموا لطوفان الطغيان، ولم تنكسر سفينتهم.. يا الهي فقد صنعوها من خشب من شجر وهبتهم اياه الارض، وحملوا فيها كل أسباب الحياة لغد طويل بلا أجل، ثم برزت لهم الأرض تبشر بالسلام.