إبراهيم ملحم - النجاح الإخباري - لم أجد ثمّة ما هو أبلغ من هذا العنوان لوصف واقع الحال الذي لا يسرُّ صديقًا ولا يغيظُ عدوًا، فأينما يمَّمت وجهك ترى ما يدفعك لِفغْر فمك دهشةً، وشدّ شعرك غضبًا وألمًا وحزنًا، لما تشاهد وتسمع من وقائع وأحداث، تتعلق بسوء أدائنا الذي بات أكثر خطرًا علينا من أعدائنا.

ليس التردّد ولا التخبُّط في قيادة سفينة الضّمان وسط بحر لُجّي يغشاه موجٌ من فوقه موجٌ من فوقه سحاب؛ سوى الجزء الظاهر من جبل الجليد الغاطس في مياه أزماتنا المتوالدة؛ فلا نخرج من منحدر إلا لنقع في دحديرة؛ ففي القضاء المنزّه عن الشبهات والذي هو ملاذنا من تغوّل السلطات؛ نمارس نفس الأخطاء حين نكتشف بعد بضع سنين أن خطأً شاب عملية التنسيب لواحدة من السلطات القضائية العليا، ونعيُّن القائم بالأعمال لمنصب النائب العام دون أن نتأكّد من صحة التنسيب، وهو ما يمسّ هيبة الجهاز الذي بات محل نقد عوض أن يكون محل نقض.

أليست سيولة زائدة أن نجعل من إعلامنا كِيرًا ننفخ فيه على نار خلافاتنا، وتوسيع الشقة فيما شجر بيننا؟ أليست سيولة زائدة ألا يُعلِّمنا إعلامُنا بما ينبغي لنا أن نعلَمه، وأن نسْترِق السّمع لإعلام عدوّنا حتى نعرف حقيقة ما يتربّص بنا؟ أليست سيولة زائدة أن يواصل إعلامُنا العزف على ربابة شاعر القبيلة الذي لا يَسمع لأشعاره سواه؟ أليست سيولة زائدة أن ينافس بعضُنا بعضَنا في كيل الشتائم، وتوجيه الاتهامات، وممارسة التجاوزات؟

أليست سيولة زائدة حين تُستدعى العشيرة لفضّ النزاعات وحسم الخلافات والتباينات مع الدولة؟ وأليست سيولة زائدة وحالة غيبوبة وطنية حين يَنقل جزءٌ منّا الخصومة الحزبية إلى منابر أممية، كما فعل نواب حركة حماس بإرسال برقية تسحب الشرعية عن الرئيس في ذروة ترؤسه لدول مجموعة الـ77 زائد الصين؟ أليست سيولة زائدة أن نغرق في جدل الشرعيات والمحاصصات والتوصيفات والتسميات لأصحاب الفخامة والسيادة والمعالي، بينما يتربّص بنا تسونامي التصفيات وتزأر حولنا أرياح المخططات لتطيح بتنابزنا وبسجالاتنا وتربُّصنا ببعضنا ولتحلّ وإلى الأبد ما شجر بيننا من خلافات؟

أليست سيولة زائدة حين تغيب النزاهة عن التعيينات في القضاء والسفارات والقنصليات، ويتم إقصاء أصحاب الكفاءات لصالح أهل الولاءات والمحسوبيات؟ أليست سيولة زائدة حين يتم حرمان بعض الفئات من تقلّد المناصب وتحمّل المسؤوليات لا لشيء سوى أن آباءهم وأمهاتِهم وإخوانَهم وأخواتِهم وعمّاتِهم وخالاتِهم وأمّهاتِهم اللّائي أرضعنهم ليسوا من اللّوردات وأصحاب الذوات؟

أليست سيولة زائدة أن ننشغل بالتفاهات والسِّجالات والمناكفات واستعراض العضلات بينما تُستباح الشوارع والحدائق والبيوت والوزارات، وتُنتهك الحرمات والمقدّسات؟ أليست سيولة زائدة أن نضع الانتخابات في الترتيب الرابع بعد الغول والعنقاء والخِل الوفي؟

أليست سيولة زائدة أنّه في ذروة معركتنا مع المحتلين، والمطبّعين، والظانّين بنا ظنّ السوء، يخرج من بيننا من يشغلنا بالإفتاء بضرب الزوجات، والبنات، والأخوات، والأمهات، والعمّات، والخالات، والجدّات، وما ملكت أيمانكم؟

أليست سيولة زائدة حين تُزرع المخدرات في الصالونات، ويلعلع الرصاص في المناسبات، وعند أتفه الخلافات، بينما تقف الدولة على الحياد حين تشمل الجلوات العائلات من الشيخ الكبير إلى الطفل المقمَّط في السّرير؟

أليست سيولة زائدة أن يتصدى لمظاهرات الضمان وزراء لا يتقنون فنّ الكلام في الإعلام، فتراهم يهرفون بما لا يعرفون، فيضاعفون من أعداد المتظاهرين في الساحات والميادين، ويجلبون للحكومة المزيد من المتاعب، ويزوّدون خصومها بالذخيرة التي يضربونها بها... أقترح على الصديق صلاح هنية رئيس لجنة حماية المستهلك، أن يوسِّع صلاحياته لتطال ما يصدر عن أصحاب المعالي من قول أو فعل أو تقرير؛ باعتبار أن التصريحات الإعلامية سلعة لا بد من خضوعها لمعايير الجودة!

أليست سيولة زائدة أن نرى كل تلك السيول الجارفة تطوِّق أعناقنا، وتقضُّ مناماتِنا، وتهدد مستقبل أبنائنا، ولا نبادر لِجسْر الفجوات، وإغلاق الثغرات في جدار صمودنا، ورتْق ما تَمزَّق من أرديتنا؟ فهل من إضافة لبعض "المحسِّنات"؛ كي نُكسب تلك السيولة صفة اللّزوجة لتكون أقرب إلى الصلابة؟

أليست سيولة زائدة وفائضة عن الحاجة، حين تصر "حماس" على تجريب المجرَّب، فتطلب"الدبس من إيد النمس"!! فيا وطن الشهداء، والفقراء، والمعذبين، والزارعين، والضائعين.. تلازج!

 

المصدر: صحيفة القدس