نابلس -د.هاني العقاد - النجاح الإخباري - لا أعتقد أنَّ أيَّ نظام سياسي محترم يمكن أن يستمر في إدارة البلاد تحت مسمى نظام ديموقراطي، أبعد من الدورة الانتخابية الواحدة التى يقرّها الدستور، ولا اعتقد أنَّ أيَّ برلمان وطني يستطيع سنَّ قوانين، وفرض رقابة فاعلة على أداء الحكومة  ومؤسسات الدولة بمواصفات المجلس التشريعية الحالي، ولا أعتقد أنَّ أيَّ برلمان في أيَّة دولة يمكن أن يستمر في أداء مهامه لأكثر من دورة برلمانية إلا في حالتنا الفلسطينيَّة، فإنَّ المجلس التشريعي الفلسطيني انتهت شرعيته منذ العام (2010)،  ولم يحدث تحديث لممثلي الشعب الفلسطيني، وبالتالي صدور حقوق التمثيل لأجيال كفل لها القانوني الأساسي المشاركة في إدارة البلاد.

 لم يكن التشريعي الفلسطيني يومًا من الأيام من أجل المواطن أكثر ما هو من أجل بعض القيادات والأحزاب السياسية.

 والانقسام أحدث تعطيلًا مقصودًا وغير مبرر للمجلس التشريعي، ولم يعد يقوم بمهامه على أكمل وجه بقدر ما يسخّر عمله ومهامه لصالح كتلة برلمانية واحدة، وبالتالي أصبح البرلمان الفلسطيني أداة في يد الحزب السياسي أو الفصيل تصدر الأوامر من رئاسة الحركة له بالانعقاد فينعقد ويستعرض الأجندة التي أعدَّتها بعض الفصائل المهيمنة على المجلس التشريعي الفلسطيني.

تعطلت الانتخابات التشريعية الفلسطينية بفعل الانقسام وأصبح أعضاء المجلس التشريعي محرضين على بقاء الانقسام واستمراره أكثر من دعواهم لإنهاء الانقسام وتسخير كلّ الطاقات لذلك ليبقي التشريعي ويبقوا هم نواب الشعب الخالدين ليس هذا فقط بل إن أحد القيادات المحسوبة والوازنة كان له دور خطير وكبير في ترشيح أعضاء القوائم الانتخابية، سواء على مستوى الوطن أو مستوى الحزب ليبقى هو الرأس والمحرك لهؤلاء النواب ينفذون أجندته للبقاء على رأس مركز القوة في المجلس التشريعي، بل وكلّ مؤسسات السلطة وبالتالي يهيمن على مفاصل القرار الذي يؤسس لانقلاب ناعم على الرئاسة الفلسطينية، وإزاحة الرئيس، لكن الانقسام أفشل كلَّ هذا، ومكن أعضاء التشريعي كافة  من البقاء في المجلس حتى الآن دون أن يقدموا ما أقسموا عليه أمام الجماهير الفلسطينية والرئيس.

بالرغم من هذا كلّه والتعطيل للمجلس التشريعي وهيمنة بعض الكتل والاعتداء على صلاحيات الرئيس القانونية، وإصدار البيانات أنَّه لا يمثّل الشعب الفلسطيني ويجب محاكمته، إلا أنَّ قرار المحكمة الدستوية غير دستوري وليس قانوني وهو من اختصاص المجلس المركزي وحده الذي يمكنه حل التشريعي دون حل السلطة لأنَّ صلاحيات المحكمة الدستورية حدَّدها القانون في اختصاصات الرقابة على دستورية القوانين وتفسير نصوص القانون الأساسي، والفصل في تنازع الاختصاص بين الجهات القضائية والجهات الإدارية ذات الاختصاص، والبت في الطعن بفقدان الرئيس الأهلية القانونية وهذا يعني أنَّ حلَّ التشريعي ليس من صلاحيتها.

 لكن يمكنها أن توصي بالانتخابات التشريعية والرئاسية دون الإعلان عن انتخابات برلمانية لأنَّ هذا من صلاحيات الرئيس أبو مازن فقط بموجب المادة (34) من قانون الانتخابات أو بموجب اتفاق القاهرة (2011)، ومن هنا فإنَّه ليس من صلاحيات المحكمة الدستوية بالمطلق إعلان حل التشريعي أو إنهاء ولايته البرلمانية أو تحديد موعد للانتخابات التشريعية والرئاسية، لأنَّ هذا يعتبر اعتداء على صلاحيات الرئيس نفسه لأنَّه الوحيد الذي خوَّله القانون الأساسي بإصدار المراسيم الخاصة بإجراء الانتخابات وموعدها.

 ولعل الخطأ الدستوري اليوم أن تقدم المحكمة الدستورية على حلّ التشريعي لأنَّنا ندرك أنَّ حل التشريعي فقط من صلاحيات المجلس المركزي أو الوطني إن أمكن انعقاده، وعليه فلا يجوز بأي شكل من الأشكال أن يحلَّ المجلس التشريعي بناء على قرار المحكمة الدستورية، أو أيَّة هيئة قانونية بالسلطة الفلسطينية ولا حتى بمرسوم رئاسي نافذ حتى لو كان معطّلًا ولم ينعقد منذ دورته  الأولى كما جاء في تفسيرات المحكمة الدستورية.

المشهد يقول أنَّ أمام الرئيس حلين، الأول أن يصدر الرئيس مرسوم رئاسي بموعد نهائي للانتخابات التشريعية والرئاسية دون حل التشريعي سواء انتهى الانقسام ام لم ينتهِ، وتجري الانتخابات في كامل أراضي السلطة الفلسطينية، وإن امتنعت حماس وأعاقت إجراءها في غزَّة، فإنَّ الانتخابات تجري في الموعد المحدد دون تأجيل، أو أن ينعقد المجلس المركزي ويعلن تطبيق القرارات كافة التي اتّخذت في الدورة الثلاثين (دورة الدفاع الخان الأحمر والدفاع عن الثوابت الوطنية) ويأتي على رأس قراراته التي يجب أن يصوّت عليها وأهمها حلّ التشريعي لذات الأسباب التى سردناها مسبقًا في بداية هذا المقال وبالتالي دعوة الرئيس لإصدار مرسوم لانتخابات برلمانية ومجلس دولة باعتباره مجلس الدولة المكلف بهذا، وهنا نكون قد حقَّقنا هدفين، الأول انتقلنا رسميًّا من السلطة إلى الدولة وأصبح لدينا مجلس دولة منتخب وشرعي، وكلّ هذا يأتي تجسيدًا لقرارات المجلس الوطني في دورته العادية مايو 2018 "دورة القدس وحماية الشرعية الفلسطينية".  

اليوم سندخل جميعًا في نفق انقسامي جديد وهو مدى إلزامية قرار المحكمة الدستورية من عدمه ومدى قانونيته وهذا يعتبر فصل جديد في حالة التشرذم والضياع الفلسطيني يجب أن ينهيها المجلس المركزي الفلسطيني في أقرب وقت ممكن.

وهنا بات مهمًّا أن يصدر الرئيس مرسومًا عاجلاً بالدعوة لانعقاد المجلس المركزي لإخراج الحالة الفلسطينية التي سبَّبها قرار المحكمة الدستورية من حالة تضارب الصلاحيات، والمهم أنَّ اجتماع المركزي الجديد يحمي صلاحيات المركزي من الاقتناص من قبل المحكمة الدستورية ويحمي الكيانية الوطنية وبقاء منظمة التحرير الفلسطينية صاحبة الكلمة العليا امام حالة الفوضي التي تسببها الانقسام

 

[email protected]