د.دلال عريقات - النجاح الإخباري - يُصادف شهر أيلول ذِكْرَى ٢٥ عاماً على توقيع اتفاقية أوسلو، ما نشهده الْيَوْم مِن تطورات خطيرة ما هو إلا دلالة على نجاح دولة الاحتلال والوسيط الرسمي لعملية السلام في الشرق الأوسط -الولايات المتحدة الأمريكية- في تحويل الصراع. فبدلاً من أن يتم الحديث عن احتلال إسرائيلي وقع على الأرض الفلسطينية وتركيز الجهود الداخلية والدولية لإنهاء هذا الاحتلال، يجري الحديث الْيَوْم عن أزمة إنسانية في قطاع غزة، عن ٢ مليون فلسطيني يعيشون في سجن غزة وعن ضرورة التدخل الدولي لحل هذه الأزمة.

نحن لا نقلل من أهمية التركيز والعمل من أجل إنهاء الأزمة الإنسانية غير المبررة في قطاع غزة، ولكن يهدف مقال الْيَوْم للفت النظر لحقيقة عامة وجوهرية وهي أن إسرائيل نجحت في صرف نظر المواطن الفلسطيني والعالم الخارجي عن الاحتلال، والذي هو المسبب الرئيسي للأزمة الإنسانية التي يعاني منها القطاع إضافة لأسباب داخلية أخرى من فعل الأحزاب الداخلية التي قدمت مصالحها الفئوية على مصلحة القضية الوطنية.

مفهوم تحويل الصراع ظهر في حقل حل الصراعات بهدف إعادة إخراج طريقة التعامل مع المبادرات المختلفة لبناء السلام وخاصة في سياق الصراعات ذات البُعد الديني أو العِرقي.

بناء السلام هو عملية لتسهيل وتحضير سلام طويل الأمد، فهو محاولة لمنع حدوث العنف من خلال معالجة جذور المشكلة وآثارها من خلال التسوية، المصالحة، بناء المؤسسات و تحويل الصراع سياسياً واقتصادياً!

في ظل ما يجري حولنا من التركيز على الأزمة الإنسانية وتناسي الإطار العام والمسبب الرئيسي لهذه الأزمة، إذاً عملياً ما يجري هو تحويل سياسي للصراع، حيث تعمل الأمم المتحدة جاهدة لترسيخ مفهوم جديد ليحل مكان الاحتلال في فلسطين، فأصبح الكل يتحدث عن ضرورة حل الأزمة الإنسانية بدلاً من إنهاء الاحتلال فتحول الصراع عملياً، نعم انتقلنا من مرحلة إدارة الصراع إلى مرحلة تحويله.

وفي ظل الانقسام الوطني، تعيش القضية الفلسطينية حالة من التشتت والضياع، ولأن الغاية قد تبرر الوسيلة فلا يجب أن نستغرب إذا طُرحت حلول مفاجئة غريبة أو غير منطقية تحت غطاء حل الأزمة الإنسانية، فهذا ينطوي تحت إطار تحويل الصراع وهذا واضح، ففي الضفة الغربية مثلاً يكتفي المواطن الْيَوْم بتوفير احتياجاته الشخصية، فسقف الطلبات انخفض لمستوى التصريح لزيارة القدس، أصبحنا نكتفي بالقليل.

بعد ٢٥ عاماً على اتفاقية أوسلو، تبدلت المفاهيم وسقطت الحقوق وانتهكت حرمة القرارات والقوانين،

نجح الوسطاء المنحازون من نقل القضية الفلسطينية من مرحلة الإدارة إلى التحول؛ خلال عقدين عمل العالم من خلال المفاوضات وضخ الأموال لإدارة الصراع بالمنطقة والآن بدلاً من الحل وإنهاء الاحتلال، وصلنا لمرحلة تحويل الصراع، حان الوقت ليدرك الجميع من أحزاب وقيادات ومنظمة التحرير أن هذه مرحلة خطيرة تخدم دولة الاحتلال بمساعدة أمريكا وصمت الدول المانحة والأمم المتحدة، فلا داعي لتكرار ما تقدم من تجارب، لا بد من مواجهة الواقع، حان الوقت لاستراتيجية خُروج، وهذا يستدعي تحركاً وموقفاً فلسطينياً وطنياً مُشرفاً يليق بهذه الأرض وشعبها العَظِيم.

عن القدس الفلسطينية