عيسى قراقع - النجاح الإخباري - رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين

ولد حفيدي عيسى في زمن صعود اسرائيل الى اعلى درجات الفاشية والعنصرية، وقد أصبحت بامتياز دولة الابرتهايد في منطقة الشرق الاوسط ، تجمع كل عوامل الدولة الكولونيالية الامبريالية العسكرتارية الدينية، والأكثر وحشية في المنطقة كما يصفها المراقبون.

ولد حفيدي عيسى في زمن صفقة القرن الترامبية التي تستثني القدس عاصمة لدولة فلسطين وحق تقرير المصير لشعبنا الفلسطيني ، وانتفاضة ترتفع حرارتها جيلا وراء جيل، على مصاطب وأبواب مساجدنا وكنائسنا وفي الصلاة والدماء حقول اوسع مما يعتقدون، شحم القدس كثيف كثيف، ترتل اوجاعها ويتجمد دمها في كتب الانبياء.

ولد الصغير عيسى على أرض لم تتحول الى دولة الا في النشيد، أرض صارت سجونا معزولة بين حاجز ومستوطنة وشارع غريب، تحيط بها الجدران العالية وأبراج المراقبة المسلحة ، جريحة ووحيدة وثكلى على شاطىء المتوسط تودع ابناءها المطرودين من قراهم بالقوة الغاشمة وتعجز عن إنقاذ الغرقى في قاع البحر، تلملم بقاياهم الموزعة في المخيمات والمنافي والمحيطات ومن مذبحة الى مذبحة.

ولد الصغير عيسى بلا أرض يجري ويلعب فيها حرا كالغزال، الارض مقطعة، الارض مصادرة، الارض بلا اشجار وظلال، مستوطنات ومستوطنين وروح متطرفة معربدة، يسمع صراخا هنا وصراخا هناك، لا يفهم الصغير لماذا تبكي الطيور وتبتعد خلف الضباب؟ ، لا يفهم الصغير لماذا تكثر الجنازات ويقل الفرح في فلسطين ؟ الناس تبكي، ضجيج في الحارة ، ضجيج في البيت، يناغي الصغير ، يحرك يديه ولكن لا ينتبهون.

عيسى الصغير حاول أن لا تشبهني، لا تكثر من الخيال والتأويل حتى ترى الواقع أجمل، لا تكن مثلي تسبح في الاستعارات والكنايات والاشتقاقات لكي تعيش مؤقتا ولا تصدق أنك مت قبل قليل. لا تكن مثلي كثير التدخين تحرق الهواء وآخر الكلمات في القصيدة المشتعلة، لا تكن مثلي تكثر النظر في صور الشهداء والأسرى المعلقة على الحائط، أصدقاء ذهبوا ورحلوا وتحولوا الى جداريات تفيض بالألم والحسرة.

عيسى الصغير حاول أن لا تشبهني، لا يكن قلبك رهيفا مثل قلبي، لن تتحمل حكايات تنفجر في كل بيت لحما ودما وذكريات، الليل ثقيل بين عينيّ، أمهات أسرى وشهداء ومفقودين ومبعدين، أطفال اعدموا واعتقلوا ، دمهم فوق يديّ، الموتى ينهضون ويسألون، الاحياء يصعدون ، جثث تعود في أكياس سوداء من السجون، الكلام كل الكلام يجف بين شفتي.

عيسى الصغير حاول أن لا تشبهني، إبحث عني فيما انقطع مني، تعديل المكان الذي شوهه الاستيطان واللغة العبرية، اتفاق الشكل مع المعنى ، الاحتفاظ بالصور التي ابتكرها الحجر، الكبسولات الكثيرة التي هربتها من السجن ملغومة بالحنين والحب ووصايا من سقطوا على الأسلاك لترفعها قليلا الى أعلى و أعلى.

الصغير عيسى حاول ان لا تشبهني، لا تعد بعد منتصف الليل مقتولا او جريحا، امك تقف على العتبة ، تضيء لامبة الكاز توقظ حلمك فجأة، تشعل عود الثقاب في ليل وحشي بلا رحمة.

عيسى الصغير حاول ان لا تشبهني ، إعشق الأشياء البسيطة ، إشرب القهوة ساعة المساء، الارض تنام على صدرها عشبة تدلك على خطى جدك ومفتاح البيت، الأرض تجعل من كل وردة انثى ومن كل انثى شجرة ، قصيدة خفيفة اطلقها اسير في العتمة ليرى الضوء ويتجنب العدم، النوم صاحيا هادئا منتبها لطرق الباب اذا جاء الجنود ليعتقلوا حلمك ويقيدوا اضلاعك النائمة.

الصغير عيسى حاول ان لا تشبهني، لا تنصع لأحد، افتح قلبك للحب ، الحب قوتك الحاسمة، سلاحك ضد العنصرية والكراهية، ابتسامة النبع، رقصة السحابة في سمائها الصافية ، قبلة على خد امرأة تشعل البرق في غيومك القادمة.

الصغير عيسى حاول ان لا تشبهني، لا تكن وسطيا، ولا تقبل نصف الاشياء وتؤجل مواعيدك، لك كل المسجد والكنيسة، لك كل البيت والخوابي والتاريخ والحضارات السالفة، إن أخذت قليلا لن تستطع أن تطالب كثيرا، وأن رضيت أن يمر الغزاة من أمام البيت نهارا طردوك ليلا ونبشوا قبور اجدادك وآثارك الغابرة.

عيسى الصغير ، لا تصدق الا دمك المضيء وفأس الفلاح يجري النهر تحته كلما ازداد الحرث وقوة حضورك أمام قوة البطش المتمادية.

عيسى الصغير حاول ان لا تشبهني، ولا أريد أن تصير أطرش مثلي ، ضجيج في أذني، صراخ اطفال يتعذبون ويداسون في أقبية الظلام، صراخ نساء في الزنازين والسجون، مرضى بلا دواء وعكازات ، شهداء محتجزون متجمدون في الثلاجات، عتمة تسيل في أعصابي، تغلق دهاليز جمجمتي، طنين في رأسي، صمت وجنازات.

الصغير عيسى حاول ان لا تشبهني، لا تعبد الأصنام والصور، ابدأ حياتك بالصلاة في هيجان الربيع بحماسة ولا تسمع غير قلبك، لا تخف من اضاءة أصابعك العشرة في ليلة الميلاد، كن شجرة، لا تخف من الطيران والصعود الى الاعلى، كن نجمة، اسكن الارض والسماء، احتضن الكون، احتضن الحياة ، كن إحدى صفات النار والتراب والرياح والهواء.