طلال عوكل - النجاح الإخباري - لا حاجة لأحد، أن ينتظر طبيعة صفقة العصر، التي تتحدث أوساط الإدارة الأميركية أنها قيد المراحل الأخيرة من الإنجاز، فعناوين وأهداف هذه الصفقة باتت أكثر من واضحة. 
لا تكفي كل الإغراءات المحتملة، التي يمكن أن تقدمها الإدارة الأميركية، لإقناع الفلسطينيين بالانخراط في هذه الصفقة.
إخراج ملف القدس من أي مفاوضات ومصادرة حق الفلسطينيين فيها، يكفي وحده، لضمان موقف فلسطيني وطني شامل، برفض أي تفاصيل أخرى فكيف حين تضيف الولايات المتحدة إلى ذلك محاولاتها الملموسة لشطب "الأونروا"، وبالتالي شطب ملف حق اللاجئين في العودة؟
الرئيس الأميركي يمعن في عناده، ومناكفته، فيضيف إلى ما ورد أنه قد يزور إسرائيل، في الوقت الذي حددته إدارته لافتتاح السفارة الأميركية في القدس الذي يصادف الذكرى السبعين للنكبة. 
خلال الزيارة الأخيرة التي قام بها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، لم تحظ القضية الفلسطينية باهتمام الشريكين سوى بخمس عشرة دقيقة، فيما استغرق ملف إيران الجزء الأكبر من نحو ساعتين، كانت مدة اللقاء.
أن يقتصر بحث الموضوع الفلسطيني على هذا القدر الضئيل من الوقت، ينطوي على دلالة، استهتار بقضية السلام، وبحقوق الفلسطينيين وبقرارات الأمم المتحدة، وبكل ردود الفعل الدولية الرافضة لقرار الرئيس ترامب بشأن القدس واللاجئين.
أما أن يحظى الملف الإيراني بمعظم الوقت، فإن هذا ينطوي على رسالة حربية، تشير دلائل كثيرة إلى أن الحلف الأميركي الإسرائيلي بصدد ارتكاب عدوان عسكري واسع في سورية ضد النظام وضد ما يسميه الحلف بالتواجد الإيراني. 
رسالة ترفع مستوى التوتر في المنطقة كلها، وخصوصاً بين هذا الحلف وروسيا التي هدد رئيسها فلاديمير بوتين بالتصدي لأي عدوان تبادر إليه دولة ضد روسيا أو أي من حلفائها. 
قد لا يكون الفلسطينيون في خانة الحلفاء الذين يهدد بوتين بحمايتهم في حال تعرضوا لعدوان، ولكن ذلك لا يعني أنهم لا يملكون القدرة على رفع مستوى التوتر في الإقليم كله. 
الولايات المتحدة عادت مرة أخرى، لتسلك الطريق الذي ترسمه إسرائيل بالنسبة للملف الفلسطيني، حيث إن المتتبع لتطور المواقف والسياسات الأميركية إزاء كل مفردات الصراع، سيخلص إلى نتيجة بأن إسرائيل هي التي تقود وتدير السياسة الأميركية فيما يتعلق بجوهر هذا الصراع وطبيعته. 
في عهد الرئيس اوباما نشأ خلاف على الأولويات وأصرّت إسرائيل على أن الخطر الإيراني هو الذي يحظى بأولوية، وها هي الإدارة الأميركية تفعل ذلك، والحال ذاته بالنسبة لرؤية الدولتين، والموقف من الاستيطان والقدس واللاجئين، وآليات ومرجعيات التفاوض. إن واشنطن تتطابق تماماً وكلياً اليوم مع سياسة ومخططات تل أبيب بالنسبة لموضوع السلام على جبهة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
إسرائيل تبادر برسم السياسات والمواقف وأميركا تتكفل بالتنفيذ والرعاية وتأمين الحماية. ومن الواضح أن الإدارة الأميركية لا تنتظر الإعلان عن "صفقة القرن"، إذ هي دخلت عملياً في مرحلة التنفيذ، وفرض الوقائع ومن دون انتظار موافقة أو رفض القيادة الفلسطينية أو الدول العربية والإسلامية.
وكما تفعل إسرائيل، بدأت واشنطن في النواح والعويل على الوضع المأساوي الذي يعاني منه سكان قطاع غزة، بسبب الحصار الإسرائيلي والانقسام الفلسطيني. نزعة إنسانية كاذبة وذات أبعاد سياسية خطيرة لها صلة مباشرة بتطبيق بعض مفاصل "صفقة القرن". لو كانت الولايات المتحدة مقتنعة بحقوق الإنسان وبالتدخل الإنساني لإنقاذ فلسطينيي قطاع غزة من الكارثة لكانت طلبت من إسرائيل رفع الحصار المفروض على الناس هناك.
دعوة واشنطن لاجتماع دولي يضم المانحين للبحث في كيفية معالجة الوضع الإنساني في قطاع غزة، تنطوي على جملة أهداف سياسية: 
أولاً، ان الدعم الذي يمكن أن يقدم لسكان القطاع هو شكل من أشكال تعويض الناس عن محاولة تجفيف موارد "الأونروا"، أي أن عملية استبدال ستتم على جثة المؤسسة الدولية وحق اللاجئين في العودة.
ثانياً، تمعن الإدارة الأميركية في التعامل المنفصل مع الجغرافيا الفلسطينية فهي إزاء الضفة تضغط على السلطة مالياً، وتحجب عنها التمويل وفي القدس تساند الحكومة الإسرائيلية في إجراءاتها العنصرية لتفريغ المدينة من سكانها الأصليين، ونحو تهويدها بالكامل ومصادرة كل الحقوق الفلسطينية فيها ثم التعامل مع غزة بطريقة منفصلة.
ثالثاً، مثل هذه السياسة تستهدف إبقاء حالة الانقسام والتباين بين غزة والضفة، وبين حماس وفتح، وتحاول تصعيد التوتر بينهما فضلاً عن النيل من شرعية السلطة ومنظمة التحرير. 
يريدون لغزة أن تكون مقر الدولة الفلسطينية، بصرف النظر عما يتبقى إن كان ممكنا توسيعها في سيناء أم لا. 
أليس هذا ما تطرحه منذ بعض الوقت أوساط سياسية إسرائيلية، ليس خشية أن يتجه الانفجار في القطاع نحو الشمال وإنما لبناء مؤسسات الدولة من مطار وميناء إلى معالجة موضوعات المياه والكهرباء والتشغيل؟
لا تخدع النزعة الإنسانية الكاذبة لواشنطن وتل أبيب الفلسطينيين، الذين أعلنوا كلهم رفض المشاركة في اجتماع واشنطن، ورفض التعامل مع مخرجاته، لكن الفلسطينيين لا يزالون يتجاهلون مدى خطورة استمرار الانقسام على قضيتهم، وبما يخدم مخططات وأهداف الحلف الأميركي الإسرائيلي.
لقد شبع الفلسطينيون من كلام زعمائهم عن الالتزام بتحقيق المصالحة، وحرص كل طرف على إنجازها، إذ لم تثمر كل الخطابات وإعلانات حسن النوايا عن أي انفراجة في اتجاه تحقيق المصالحة.