شارلي يعقوب ابو سعدى - النجاح الإخباري - يأتي قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس في زمن تاريخي مدروس بشكل محكم من قبل الإدارة الأمريكية ونظيرتها الإسرائيلية. أما الهدف منه فهو إعادة السيطرة على منطقة الشرق الأوسط بعد الدخول المباشر لروسيا في اللعبة الكبيرة والمعقدة، وعودة الجيش السوري وحلفائه الإيرانيين إلى سكة الانتصارات والسيطرة من جديد على معظم المدن والقرى السورية.

وإذا عدنا إلى وضع مدينة القدس الخاص نرى أن الأمم المتحدة تعتبر القدس وحتى يومنا هذا "أرضا محتلة" بحسب قرارها الشهير 181. وحتى الولايات المتحدة والفاتيكان وروسيا فهي تتخذ نفس هذا الموقف، إلى أن جاء ترامب وبدأ يصب الزيت على النار. وفي العام 1967 قامت حكومة الاحتلال بإرسال رسالة توضيحية للأمم المتحدة تفيد أنها ليست معنية بضم مدينة القدس إلى دولة إسرائيل بل هي مسألة دمج قانوني وإداري فقط لا غير. هذا الوضع انتهكته السلطات الإسرائيلية عام 1980 عندما أعلنت المحكمة العليا أن القدس الشرقية هي جزء لا يتجزأ من دولة إسرائيل، فأضحت القدس العاصمة الموحدة والأبدية لإسرائيل.

إن قرار نقل السفارة يعني عملياً الاعتراف بضم القدس لإسرائيل وبالتالي فهو يشرعن وجود المستوطنات، وهذا كله سيغيّر الوضع والتحالفات العالمية في الشرق الأوسط. ومن المتوقع أن تقوم الإدارة الأمريكية بطرح رؤيتها لمستقبل الصراع العربي الإسرائيلي خلال الأشهر الأولى من السنة المقبلة. وفي نفس الوقت فإن إسرائيل تعمل على إحداث تغيير في حدود القدس، بهدف إحداث تغييرات ديمغرافية لزيادة عدد الإسرائيليين وتقليص عدد الفلسطينيين في المدينة. فنتنياهو يسعى لضم مستوطنات معاليه أدوميم وغوش عتسيون وغيرها، وفي المقابل يعمل على إخراج كفر عقب مثلاً خارج نفوذ وحدود بلدية القدس.

هذا الإعلان قابله رفض قاطع من قبل الفاتيكان وبطاركة وأساقفة القدس الذين أرسلوا رسالة للرئيس الأمريكي يعلنون فيها استنكارهم ورفضهم لعملية نقل السفارة. والفاتيكان بدوره يرفض بشكل قاطع أي تغيير على الحالة القانونية لمدينة القدس. وقد أعرب البابا فرنسيس عن ألمه لهذه الخطوة خلال اتصال هاتفي مع الرئيس أبو مازن. وقال قداسته: " يتوجّه فكري الآن إلى القدس، إذ لا يمكنني أن أُسكِت قلقي العميق بسبب ما حصل خلال الأيام الماضية، وأوجِّه نداء لكي يلتزم الجميع في احترام الوضع القائم لمدينة القدس تماشيًا مع قرارات الأمم المتَّحدة ذات الصلة".

في المستقبل القريب سيتضح شكل متجدد من تحالف قوى استراتيجي جديد في المنطقة. ومن المؤكد أن هذا التحالف سيقدم طرحه لحل القضية الفلسطينية وسيكون الحل وبالتأكيد على حساب الشعب الفلسطيني الأعزل. وسنعيش نحن الفلسطينيين فترة زمنية مقبلة تختلف عن هذه التي نعيشها اليوم، بحيث يكون للاحتلال وجه آخر. والاحتلال يبقى احتلالا مهما تغيّر شكله وطابعه.